اراء و مقالات

حكومة جديدة «تتجمل» في الأردن: «إفراط» في التعهدات والوعود وقريباً «كمين» رفع سقف التوقعات

عمان- «القدس العربي»: يعلم الخبراء في الملف الاقتصادي والإداري تحديداً أن ضمان عدم تراجع الأداء العام عموماً بالرغم من الظروف التي تمر بها المنطقة، هو هدف طموح ونبيل بكل حال، لكنه يحتاج لكثير حتى يتحقق.
الحكومة الأردنية تقترب من حمى إطلاق الوعود الكبيرة التي سبق أن لامستها حكومة الرئيس عمر الرزاز، التي لم تواصل مسيرتها لأكثر من عامين.
يمكن فهم الأسباب التي تدفع رئيس وزراء جديد وحكومة وليدة للإغراق في إشاعة التفاؤل.
الشارع الأردني محتقن جراء سلوكيات إسرائيل الإجرامية في الإقليم، ويحتاج لقدر من الطمأنينة بكل حال، لكن المفيد في الوقت ذاته أن يكبح جماح الإفراط بتعهدات صعبة أو معقدة حتى وإن بدت متواضعة ومعقولة بين الحين والآخر.
رئيس الوزراء الجديد الدكتور جعفر حسان، تعهد بأن لا يحصل تراجع في الأداء العام رغم الظروف التي تعيشها المنطقة، وهو تعهد كبير حصراً في المسألة الإدارية التي تحتاج لما هو أكثر بالتأكيد من الإفراط في إصدار إنشائيات ترفع سقف التوقعات.
محللون سياسيون يحاولون مبكراً لفت نظر الوزارة الجديدة إلى أن حكومات متعددة في الماضي وفي ظل ظروف أقل تعقيداً إقليمياً، تزحلقت في كمين رفع سقف التوقعات.
طبعاً، لا يمكن تعريف ما الذي يقصده الخطاب الحكومي حصراً بالأداء العام.
واحدة من الإشكالات التي رافقت ولادة الوزارة الجديدة هي تلك التي قيل فيها إنها خالفت مضامين وثائق إصلاحية في ملف الرشاقة الإدارية وترشيد الاستهلاك عند بناء تشكيلتها. وهي جزئية أشار إليها ضمن نقاط أخرى في جلسة خاصة وسياسية بحضور “القدس العربي” الوزير السابق والسياسي الناشط الآن الدكتور صبري اربيحات.
عملياً، لم تعلن الحكومة خطة محددة بعد تضمن عدم تراجع الأداء العام بصرف النظر عن التوتر العسكري والأمني الإقليمي.
وعملياً، لا تعريف بعد لسيناريو ضمانة عدم تراجع الأداء العام فيما الظروف الإقليمية ألحقت ضرراً مباشراً وملموساً بقطاعات حيوية وأساسية في الاقتصاد الأردني، من بينها الشحن والنقل البحري وحتى البري، وقطاع السياحة والفنادق، ولاحقاً القطاع التجاري.
أشار رئيس الوزراء على هامش اختيار مدينة الكرك جنوبي البلاد لعقد الاجتماع الأول فيها لمجلس الوزراء إلى أن الحكومة تتعهد بعدم تراجع الأداء العام رغم ظروف المنطقة، وأن الحكومة قرارها الاستراتيجي واضح في برمجة الأداء على أساس الوجود المباشر للوزراء في الميدان.
قبل ذلك، يتجمل الخطاب الذي تتبناه رئاسة الوزراء على الأقل هنا وهناك.
الأحزاب التزمت معها الحكومة بالتشاور والتنسيق، وقيل لرؤساء الحكومات السابقين المخضرمين إن “الرئاسة ستسمع صوت خبرتهم”، ووعد رموز القطاع الخاص بـ “شراكة جوهرية”.
النقابات المهنية وعدت أيضاً بالانفتاح والتواصل معها ومعالجة مشكلاتها ما تيسر.
لكن مشكلات الواقع في المؤسسات النقابية كبيرة ومعقدة، وقد تثقل كاهل الحكومة؛ لأن النقابات الكبرى اليوم تعاني من مشكلات مالية وإدارية وسياسية نتجت في الواقع عن تدخلات تعسفية متكررة مارستها الحكومات السابقة عندما قررت اتجاهاً يقضي بمهننة النقابات وعزلها عن السياق الوطني، والتدخل في انتخاباتها عدة مرات، وهو ما ألمح له النقابي البارز أحمد أبو غنيمة مرات عديدة.
في الأثناء، برزت إشكالية تداعيات رفع الأسعار والضرائب على سلعتين أساسيتين، هما السجائر الإلكترونية والسيارات الكهربائية، بصورة أربكت السوق المحلية ومؤسسات القطاع التجاري؛ لأن الحكومة أساساً ملتزمة بزيادة واردات الخزينة بمبلغ لا يقل عن 500 مليون دولار دفعة واحدة، وفقاً للالتزامات المبرمجة مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة.
والمعنى هنا أن الحكومة حتى تضمن تصنيفاً يتيح لها مجال الاقتراض مجدداً، رفعت أسعار بعض السلع التي قدرت الحكومة السابقة أنها كمالية ويمكن رفعها.
المعنيون يشيرون في النتيجة إلى أن رفض الحكومة الجديدة التراجع عن قرارات السجائر الإلكترونية والسيارات الكهربائية، قد ينتهي بأزمة مع مجلس النواب الجديد بدوره، خلافاً لأنه انتهى أصلاً بحالة عصيان خفيفة إدارياً، فكرتها التجرؤ على عدم التخليص جمركياً على أي سيارة جديدة من التي ارتفعت أسعارها بالتوازي مع اضطرابات السوق بطبيعة الحال، ما يدفع للتساؤل عن “زيادة الواردات حقاً”.
الوزارة الجديدة بهذا المعنى تحاول وتناور في زوايا ضيقة، وهدفها الاستعداد لمعركة الثقة البرلمانية بعد 18 من الشهر المقبل وعند انعقاد الدورة الدستورية بحالة ارتياح تضمن لها التصويت لصالح بيان وزاري لم ترسم ملامحه بعد. حملة العلاقات العامة التي يمكن اعتبارها من حقوق الحكومات الجديدة، تشهد بعض المبالغات في التعهد والالتزام بالوعود من الصنف الذي سبق للشعب الأردني أن اختبره مع حكومات سابقة.
وهو ما يؤشر عليه ضمناً أول استطلاع أجراه مركز الدراسات المختص في الجامعة الأردنية حول توقعات الرأي العام من حكومة حسان، حيث نصف المشاركين في الاستطلاع فقط أظهروا ثقتهم بأن الحكومة قادرة على تحمل المسؤوليات التي كلفت بها.
يحتاج مربع القرار الحكومي إلى نصائح راشدة اليوم تخفف من الاندفاع نحو إطلاق تعهدات ومبادرات من الصعب الالتزام بها، فالظروف إقليمياً معقدة للغاية، والتوازنات التي تعمل في ظلها أي حكومة اليوم أكثر تعقيداً، وحماية القرار السياسي المستقل للدولة في هذه المرحلة الصعبة إقليمياً مهمة أساسية لإدارة توازنات المصالح، والالتزام الحقيقي بها قد يتطلب الابتعاد، خصوصاً في بداية المشوار الحكومي، عن التعاهدات شعبوية الطابع أو نخبوية اللهجة، والتي عانى منها الأردنيون في الماضي القريب، خصوصاً مع رؤساء وزارات أكثروا من الكلام المنمق والوعود البراقة وأخفقوا حتى في الحد الأدنى عند تنفيذها.
يفترض أن ينتبه الفاعلون في مجلس الوزراء إلى اللغة التي يتحدثون فيها مع الرأي العام، ليس لأن المرحلة حساسة فقط ولكن لأن استطلاعات الجامعة الأردنية تعيد التأكيد في مضمونها الرقمي على أن الثقة التي تستقر بالمؤسسات السيادية الكبرى لا تطال الحكومات التي يتم تشكيلها بين الحين والآخر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading