اراء و مقالات

«دوركم بعد لبنان»… ما الذي يريده مزراحي «مقاول جدران نتنياهو» من الأردن؟

عمان- «القدس العربي»: لا جديد واضحاً حتى الآن بصيغة مؤكدة على صعيد العلاقة الأردنية الإسرائيلية التي تتعرض لسلسلة اختبارات، والأهم لإشارات متعاكسة غير مفهومة لا للنخب ولا للرأي العام في عمان.
ألحقت سلطات اليمين الإسرائيلي، ظهر الإثنين، طلباً ملحاً للدولة الأردنية بترتيبات “التسهيلات الخاصة” تمثل بالإفراج عن مواطنين اعتقلا على معبر الكرامة بعد العملية التي كان نجمها وبطلها سائق الشاحنة الأردني الشهيد ماهر الجازي.
الإفراج عن السائقين تم صباح الإثنين، ووزارة الخارجية هي التي أعلنت الخبر بعد أقل من أسبوع على استجابة تل أبيب لطلب أردني آخر أكثر إلحاحاً، وهو الإفراج عن جثمان الشهيد الجازي والتمكن من دفنه في بلدته بجنازة شعبية عارمة ومهيبة.
المعنى هنا أن الحكومة الأردنية لم تخضع لأي شروط أو قيود فيما يتعلق بملف جثمان الشهيد الجازي، ولاحقاً الإفراج عن سائقين مقربين منه خضعا للتحقيق وتبين أنهما خارج المسألة.
المشهد هنا فيما يرتبط بتداعيات عملية الكرامة يوحي بأن جهة ما في الكيان الإسرائيلي “تتفاعل وتستجيب” للمطالبات الأردنية الحساسة والملحة اجتماعياً.
وتلك الجهة على الأرجح هي التي يخاطبها وزير الخارجية أيمن الصفدي بعد سلسلة من تصريحاته المتشددة بتصريح فيه قدر من النعومة، فكرته أن مصالح الأردن والشعب الفلسطيني تتطلب استبعاد سيناريو إلغاء أو تجميد اتفاقية وادي عربة. ما قاله الصفدي بالسياق مهم للغاية مع أن المفاوض الوطني المعروف الدكتور دريد المحاسنة على قناعة -كما فهمت منه “القدس العربي” عدة مرات- بأن الإسرائيلي يخالف كل ما له علاقة بمسار وادي عربة.
ومع أن رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، التزم نسبياً مع وزير الخارجية بمقترحاته عندما طالب عبر “القدس العربي” أيضاً باستعمال الأوراق الدبلوماسية الخشنة بالحد الأدنى.
تفاعل جهة ما في إسرائيل مع مطلبين أردنيين في الإلحاح الأمني بعد عملية الكرامة نتج عنه على الأرجح تصريح الوزير الصفدي القائل بأن بلاده لديها ما يكفي من مبررات ومسوغات الاحتفاظ باتفاقية وادي عربة.
قال الصفدي ذلك مع أنه وصف قبل أشهر تلك الاتفاقية “لم تعد أكثر من ورقة يعلوها الغبار في متحف”.
ما الذي يحكم قياسات التفاعل وتكتيكات الاستجابة بين عمان وتل أبيب فيما بدأت إسرائيل تقصف لبنان المجاور وتوسع نطاق الحرب بصيغة مضادة لكل ما يؤمن به الأردن ويقوله؟
سؤال صعب ومربك، والواضح لا بل المرجح دبلوماسياً على الأقل، أن حكومة الأردن تستخدم أحياناً بعض القنوات مع ما يسمى بالدولة العميقة في الكيان حتى عندما تنهار الاتصالات مع نتنياهو وطاقمه، أو عندما يصل التخشين بين الحكومتين علناً إلى مستويات تنطوي على تهديد متبادل.
ثمة ما يوحي ببعض الألغاز عند أي محاولة لفهم كيفية إدارة خلايا الأزمة لذلك الاشتباك الحيوي بين الأردن وطموحات وبرامج الكيان.
وما يقوله كبار الساسة من أصحاب القرار في عمان هو أن ما ينبغي هندسته والتفاعل من أجله يحصل الآن عبر الأمريكيين، والعلاقات والاتصالات مقطوعة تماماً مع من يصفهم أبو الراغب بالحكام المجانين لتل أبيب.
تلك قراءة تبدو منطقية لمسارات التفاعل؛ لأن عمان لا تزال تحتفظ بالقدرة على التحدث بثقة نسبية إلى حد ما وتتضاءل جراء تطور الأحداث مع من تبقى من حكماء وعقلاء في المنظومتين الأمنية والعسكرية في إسرائيل.
طبعاً، بقاء الاستجابة والتفاعل بين المنظومتين لا يشكل أي ضمانة حقيقية لمصالح الأردن، وإن كان يساهم ولو بدرجة متدنية في الحد من عبث اليمين الإسرائيلي بالملف الأكثر حساسية، وهو الأغوار والحدود.
في كل حال، كيفية وطبيعة إدارة العلاقة مع تل أبيب أصبحت مسألة شائكة.
مبادرة الأردن الإغاثية لأهالي قطاع غزة وفي الجزء الطبي والصحي حصراً، تخضع لمأسسة وتم تدويلها، ودخلت عمان في تفاصيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في شبكة البنية الصحية لقطاع غزة ضمن دور إغاثي لا بد من تقديره واحترامه. لكن سياسياً، من الصعب إنتاجه وتفعيله دون اتصال مع جهة ما في “الجانب الآخر”، على حد تعبير وزارة الداخلية عندما تصف إسرائيل.
الإغاثة الطبية في غزة والحرص على مساندة ما يسمى أردنياً بالشرعية هما الفلسطينية عنصران حيويان يمكن إضافتهما للإفراج عن السائقين، وقبل ذلك عن جثة الشهيد الجازي ضمن ما يوحي بأن حكومة الأردن تجد طريقها لتفعيل استجابة تتعامل مع منطق المصالح الملحة عند تطور الأحداث.
في المقابل، ما تنتجه وتحاول تصديره حول شرقي نهر الأردن ماكينة اليمين الإسرائيلي، يعمل في اتجاه معاكس تماماً، ما يؤدي إلى فصام في الرؤية والفهم عند الجمهور في الأردن.
رجل الأعمال الإسرائيلي وممثل اتحادات النقابات في المقاولات، روني مزراحي، أحد أهم شركاء بنيامين نتنياهو، أشغل الأردنيين أمس الأول بتهديدات علنية غير مفهومة. مزراحي أنتج دوائر قلق في عمان، ليس لأن ما قاله مهم بخصوص “لبننة” الأردن، بل لأن عمان تدرك مسبقاً بأن مزراحي مجرد حجر في رقعة شطرنج اليمين الإسرائيلي يتم تحريكه لابتزاز ما لا يزال غامضاً، خصوصاً أن المعني مقاول إنشائي شريك لليمين الإسرائيلي في ملفات الجدران العازلة.
ما قاله مزراحي في الواقع قبل يومين علناً غير مفهوم، وعمان قلقة ليس بسبب ما قاله، ولكن لأنها تدرك بأن المقاول مزراحي يوجه رسالة ما عندما يحذر الأردن علناً من “دوره بعد لبنان”.
بالتزامن وفي التوقيت نفسه، وفيما تمنح بقايا الدولة العميقة في الكيان حكومة الأردن بعض التسهيلات، يعلن الإعلامي اليميني الإسرائيلي توقيع نتنياهو لأول وثيقة رسمية تصادق على قرار إنشاء جدار في الأغوار على الحدود مع المملكة بنفس الليلة التي يقصف فيها حزب الله العراقي منشآت إسرائيلية بالأغوار الأردنية، لكن على الضفة الغربية للنهر.
في الأثناء وبالتزامن مع عبارات مزراحي، تتحرك مجدداً جمعية الهيكل الاستيطانية المتطرفة التي توجه وتمول من الخصمين اللدودين للأردن بن غفير وسيموريتش في اتجاه وضع خارطة جديدة تسمي بعض الطرق الآمنة لتهجير أهل مدن الضفة الغربية إلى المدن الأردنية.
كل تلك الرسائل تصدر بالتعاكس والاتجاهات المضادة، ما يؤشر على أخطر ما يمكن أن يمس المصالح الأردنية، وهو وجود تيارين في الكيان لديهما وجهات نظر متعددة فيما يتعلق بالأردن وحدوده والأغوار، وكيفية تصدير الأزمات له، مع أن مزراحي قد لا يكون أكثر من “طامع بعطاء مقاولات بناء الجدران بالأغوار”.
هذا جديد تماماً على تقاليد العلاقة الأردنية الإسرائيلية منذ عام 1994 ويشكل تحدياً كبيراً.
الرد الأردني الوحيد المرصود عليه هو قياس الخطوات وردود الفعل بنظام القطعة والتقسيط.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading