رفع «قيمة ونزاهة وسمعة» انتخابات 2024: كيف تقرر أن يفعل الأردن ذلك؟
حجم الاحالات على التقاعد بصورة واسعة مؤخرا في أذرع وأجهزة أمنية يوحي بأن تحضيرات الانتخابات إلى حد ملموس في أجهزة الدولة العميقة هي التي بدأت.
عمان ـ «القدس العربي»: لا يخفى على المراقبين المخضرمين للمشهد الأردني الانطباع البيروقراطي الذي يوحي بأن الاستعداد للانتخابات المقبلة بدأ فعليا تحت عنوان رفع قيمتها مسبقا بإجراء سلسلة من التغييرات الهيكلية في المنظومة الأمنية حصرا حيث غرف الانتخابات في المدن الكبرى مثل الزرقاء وإربد والأغوار الشمالية وأيضا في الأطراف والمحافظات.
عمليا لا ينبغي الاسترسال في تسييس خطوات هيكلية تتبع الأجهزة الأمنية بالعدة لأنها موسمية إداريا وتحصل بين الحين والآخر، لكن حجم الإحالات على التقاعد بصورة واسعة مؤخرا في أذرع وأجهزة أمنية يوحي بأن تحضيرات الانتخابات إلى حد مرصود وملموس في أجهزة الدولة العميقة هي التي بدأت.
الحديث طبعا عن إحالات على التقاعد أمنية الطابع شملت نحو 200 موقع وسطي في الإدارات الأمنية.
والحديث يعقبه توقعات بالمزيد من إحالات على التقاعد يتبعها بالعادة إداريا التقدم بتعيينات جديدة وبالتالي رموز جديدة في الأماكن التي أحيلت عناصرها على التقاعد.
وبالتالي رغم الإحساس العام بعدم وجود ما يبرر قراءة سياسية لخطوات وإحالات في الأجهزة تصدرت نقاش المجالس السياسية والبرلمانية مؤخرا إلا أن الرسالة السياسية المرجعية قد تكون جراء ذلك هي تلك التي تقول ضمنا وبكل اللهجات ولمراكز قوى الداخل بمختلف تصنيفاتها «نعم جادون في السعي لانتخابات عامة وتمثيلية رفيعة المستوى وجادون في التأشير على ان مسارات التحديث ملزمة».
ليس سرا هنا في التحليل أن بعض المحافظات تبدلت طواقمها الأمنية القيادية وان حملة إحالات على التقاعد إضافية في الطريق.
لكن الأهم بكل حال ان التمسك بصلابة بأجندة التحديث الوطنية التي تقررت منذ العام الماضي هو برأي سياسي وبيروقراطي عريق من وزن الدكتور جواد العناني الرسالة الأهم سياسيا ومرجعيا.
يضم العناني صوته للقائلين بان مسار التحديث الذي رافقته طوال العامين الماضيين إرادة سياسية مرجعية لافتة جدا هو نمط من صيغ الاستجابة للوقائع الجديدة في مواجهة الرهانات والتحديات ليس في الأردن فقط ولكن في المنطقة والإقليم.
المطلوب انتخابيا بصورة مرجحة هو انتخابات نظيفة قدر الإمكان ومع أن بعض الأصوات تشكك مسبقا إلا أن الخبراء البيروقراطيون تحديدا يشيرون إلى ان بعض الخطوات التي تقررت أو ستتقرر حتى نهاية الربيع الحالي لاحقا فكرتها ومضمونها ان غرفة القرار الرسمي تسعى مبكرا لتصويب تشوهات يمكنها ان تخل بملف نزاهة التمثيل والانتخاب.
يعني ذلك إذا كان دقيقا في التشخيص الحاجة الملحة للانتقال بمسار التحديث السياسي تحديدا إلى إطار صلب وبرامجي يتمثل في أحزاب قوية تحت قبة البرلمان وفي سلطات التشريع وعليه بالتلازم تتمأسس تلك النظرة التي تفترض بان البرلمان التمثيلي القوي والمناسب والملائم والشرعي أكثر ينبغي ان يرسم بسياق البرامجية ويمثل خطوة عميقة باتجاه تكريس التعددية الحزبية تحديثيا وفقا لقراءة وتشخيص السياسي والبرلماني المعروف محمد الحجوج.
هل تعني التحضيرات التي بدأت بتعديل نص حمال أوجه في قانون الانتخاب وبإحالات موسعة على التقاعد بعمق المنظومة الأمنية ان القرار اتخذ بإجراء انتخابات نظيفة جدا وللغاية قبل نهاية عام 2024؟
سؤال صعب ومعقد لكن الإجابة عليه مرتبطة بالتراثيات وسجلات ذاكرة القوى السياسية الأردنية عن كل مظهر العبث في الانتخابات في الماضي والانطباع حتى وسط بعض رموز النخب السياسية أن التحضيرات الإدارية والبيروقراطية فيها رسائل جوهرية الآن وفي توقيت مبكر فكرتها أن قوى الأمن الواقع تريد فعلا ضمان مساحة أوسع لإطلاق حريات التمثيل الحزبي عبر الانتخابات.
وتريد مساحة مناورة معقولة بالمقابل أمام غرف العمليات الانتخابية بصيغة تؤدي إلى توفير ضمانات كافية بان لا تضطر أي قوة في الواقع الموضوعي للعبث بالانتخابات من أجل تحقيق أهداف يريد مركز القرار ان يتحقق بعضها على الأقل اليوم بأكبر مساحة ممكنة من النزاهة الانتخابية.
يقول أحد السياسيين الخبراء هامسا في أذن «القدس العربي»: المسار واضح وملموس وهو إنتاج واقع تفاعلي اجتماعي وطني مع الانتخابات لا يدفع أي جهة شعبية أو رسمية للمجازفة بالتدخل وانتهاك متطلبات النزاهة.
رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات موسى المعايطة اعتبر في نقاش سابق مع «القدس العربي» بان ذلك أساسي لا بل واجب الآن مقرا ضمنا بان انتخابات 2024 محطة في غاية الأهمية والضرورة وستقول الكثير على طريق بناء مسارات تحديث المنظومة برمتها.
وصف المعايطة الانتخابات المقبلة مبكرا بانها خطوة أساسية في الرهان.
ومع ان منظومة التشكيك المسبق التي تحترف العلنية والسلبية موجودة بكل حال إلا أن الإجراءات البيروقراطية على صعيد تبديل العشرات من القيادات الآنية وتعزيز وتعديل بعض النصوص التشريعية قد تلتئم مع خطوات أخرى في الطريق لإظهار بان القرار المركزي هو التمهيد لانتخابات تنافسية تنتهي ببرلمان حقيقي ومؤثر ويسمح أولا بتعزيز العمل البرامجي وثانيا باختبار هوامش الانتقال إلى الخطوة الأهم والأبعد والأعمق وهي أحزاب تشكل الحكومات وتتداول السلطة تحت قبة البرلمان.
ذلك برأي الحجوج كما سمعته «القدس العربي» هدف مشروع وطموح شرعي والكرة في ملعب الواجهات الحزبية لتكريس ممارسات التنافس الديمقراطية.
على نحو أو آخر الإحالات الموسعة في المنظومة الأمنية مؤخرا خطوة بيروقراطية وإدارية ورسالة سياسية يمكن اعتبارها تمهد لانتخابات يعلم الجميع انها في غاية الأهمية ولأن بعض الاعتبارات الخارجية والإقليمية دخلت على خط مطبخ الأردن المحلي تزداد أهمية تلك الانتخابات المقبلة ويتطلب أو قد يتطلب الأمر المزيد من الرسائل قبل نهاية الربيع المقبل.