«زكريا»: ملعقة ومجرفة ومنشفة وأغبى الأسئلة «أين الطمم؟»… مصر «تتبغدد» والأردن يستثمر في الحواجب
السجال، خصوصا على المنصات والشاشات العربية حول «منشفة وملعقة» الأسير القائد زكريا الزبيدي شغل الجميع هذه الأيام وأعمى الحقائق حتى عن خمسة نجوم لعملية الهروب الكبير، التي أعجزت رواد هوليوود عمليا.
سمر أبو خليل، المذيعة في قناة «الجديد» اللبنانية اختصرت المسألة في مداخلة ساخنة على الهواء مع عنوان عريض يتحدث عن كيفية تمريغ هيبة إسرائيل في مجاري الصرف الصحي .
وناصر اللحام على شاشة تلفزيون «فلسطين» ألهب كل الأجواء والمناخات، وهو يتحدث عن زكريا الزبيدي، الذي ناكف العدو واستحم وإرتدى منشفة، ثم ابتسم للكاميرا، طبعا، حسب إعلام الاحتلال، فيما الأسير أيهم يقدم مرافعته في بث مباشر، مطالبا المحتل بإعادة أمانات السجناء.
لا يوجد شك أن زكريا الزبيدي هو النجم الأبرز، لكن محطة «سكاي نيوز» – ويبدو من باب التحريض وليس الإنصاف المهني – حاولت تذكير الإسرائيليين بأن عملية نفق الحرية بالتأكيد ساهمت فيها أطراف من خارج السجن، فيما القناة التلفزيونية الثانية تعلنها متأخرة، وبعد أربعة أيام وبالبنط العريض..» العثور على مجرفة استعملت في الحفر تحت الطمم».
مجرفة أم ملعقة؟
في الإعلان الإسرائيلي تستقر أرواح أولئك المشككين في إحتمالات العملية وخلفيتها، فالقصة لها علاقة بمجرفة وليس بملعقة فقط، وبتصميم على تنفيذ عملية سيسجلها التاريخ، وليس بمجرد منشفة في صورة لـ»أبو الزيك» هوجم بسببها زميلنا المبدع ناصر اللحام.
حسم عميد الأسرى الأردنيين، سلطان العجلوني الجدال تشكيكا في الملعقة والطمم، عندما أوضح بأن السجين يمكنه شراء أي قطعة أو أداة من الضباط الإسرائيليين الفاسدين أنفسهم.
«ضمير الكيان وأمنه» معروض للبيع
أصوت لتجاهل كل الأسئلة المستعجلة، التي لا لزوم لها، فالقصة ستروى بالتفصيل يوما ما .
وعليه ليس مهما أن نبحث نحن القاعدين عن النضال عن إجابة سؤال مثل: أين ذهب الطمم؟ الأهم أن نطم أنفسنا قليلا، بعيدا عن التحليل والتخبيص ونترك المناضلين الستة لخوض معركتهم المقبلة، آملين لهم النجاة .
ما يثيرنا أن تلفزيون السلطة الفلسطينية الفضائي بقي مستمرا في تغطية الأحداث الروتينية من صنف «إستقبل وودع».
طبعا، نحن مع الرئيس ومع الاستقبال والوداع، لكن أحدهم وتعليقا على منبر فضائية «أبو ظبي» أعجبني عندما افتقد صورة وصوت «حسين الشيخ»، أبقاه الله ذخرا للأمة، فجزء مهني ضروري من التغطية تلبية الحاجة لمعرفة ما الذي تقوله الوزارة المختصة بـ«التنسيق الأمني» بخصوص تلك «الحفرة» التي سيكون بعدها ما بعدها.
الفلوس من أين إلى أين؟
«الفلوس بتطلع من الجيب ده. ثم تخش جيب المصريين في حتة تانية»!
قد تكون تلك العبارة المصرية بامتياز نظرية متكاملة في الاقتصاد، لم نسمع عنها سابقا، لكنها تشكل الإستراتيجية، التي عرضها الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي على الهواء مباشرة، تحت أيقونة تلفزيونية باسم «الجمهورية الجديدة»، حيث كان وزير النقل يشرح أمام الريس كيف أن حكومته الآن «بتتبغدد وبتتشرط» على المستثمرين الألمان واليابانيين .
سعداء جدا بوجود حكومة تملك فرض الشروط والدلع على المستثمرين الأجانب، مما يعني أن بعض ما تنقله فضائية «القاهرة اليوم» عن أوضاع المشاريع الكبرى في مصر وتحقيق نمو إقتصادي، صحيح على الأقل، بصرف النظر عن أي خلاف سياسي مع المؤسسة المصرية.
لم نفهم بصورة محددة بعد تلك النظرية كيف يستفيد الفقير المصري أو المواطن من خروج الفلوس من خزينة الدولة إلى خزينة المقاولين وكبار المستثمرين، وما يقوله الرفاق المصريون إن المشاريع تتحرك بكثافة فعلا، وبرعاية القطاع العام والقوات المسلحة، وهو نبأ جيد هنا، لكن النبأ غير السار أن الفوائد والمكاسب لم تصل بعد للبسطاء .
وبصراحة، حتى تكتمل الصورة نصفق لأي منجز مصري متقدم، وأملنا كبير بأن تفتح القيادة المصرية ملف الحريات والاعتقالات التعسفية والمحاكمات التي لا تليق بسمعة مصر وهيبتها، فلو كنت مستثمرا هنديا أو يابانيا،لا سمح الله، سأرتاح أكثر في «أم الدنيا» لو طبق حكم القانون ودولة المؤسسات.
عموما الخبراء الأردنيون في الاستثمار يقولون إن تجربة استقطاب الاستثمارات والتسهيلات في مصر هذه الأيام مثيرة وكل صباح أسمع وأقرأ عن رجل أعمال أردني نقل أعماله إلى مصر، لأن سياسة الدائرة المعنية بشؤون وشجون الاستثمار في عمان لا تزال هي «اللي مش عاجبه يدلي حواجبه»، وتلك أيضا عبارة تشكل نظرية متكاملة، لن تجدها إلا في مخيلة الشعب الأردني، فإذا كنت مستثمرا ولم يعجبك الأمر فلتذهب إلى الجحيم!
رغم انشغال محطة تلفزيون «المملكة» تحديدا بتعداد المزايا الاستثمارية للبلاد إلا أن أي موظف بيروقراطي يمكنه إخضاع أكبر استثماري، خلافا لأن استثمارات الأطراف تتعرض للاستغلال.
بهذه الطريقة – وعلى حد علمي – خسرنا كأردنيين نحو 6 مليارات دولار سنويا في القطاع الطبي، ونقل أكثر من 20 صناعيا استثماراتهم لمصر في غضون عام واحد.