«سنوات عجاف» في الأردن… الاسم التكنوقراطي لأصعب وأسوأ ميزانية مالية
بعد «الحافة» الأمريكية و«التنكر» السعودي
لا يمكن تحديد مسار واضح لأي وصفة إبداعية يمكن أن يقدمها وزير المالية الأردني الجديد الدكتور محمد العسعس حتى ينفذ بميزانية متقشفة جداً، يتوقع رئيس اللجنة المالية في البرلمان خالد البكار أن تكون قاسية وخشنة وصعبة.
العسعس استخدم أمس تعبيراً جديداً في وصف الميزانية، وهو بصدد تقديمها قريباً لمجلس النواب، معتبراً أنها ميزانية تأتي بعد «سنوات عجاف». ربط العسعس التكنوقراطي الرفيع بين الوضع الإقليمي المعقد واستنتاجه الأساسي بخصوص السنوات العجاف، وبالتوازي مع زحمة تضليل الأرقام في ميزانية العام الماضي يبدو أن الفرصة متاحة لإضفاء مصداقية أكبر على واردات الخزينة وتوقعاتها.
بالنسبة إلى خبراء وأعضاء برلمان خارج القبة، المحظور الرئيسي في حال تراكم عجز الميزانية ما لم تأت مساعدات نقدية مباشرة سيكون اضطرار الحكومة مجدداً على الوقوف بجانب سيناريو رفع أسعار الماء والكهرباء، حيث الاتجاه الوحيد لزيادة الواردات في سياق التقشف الحاد وضعف المناورات والمناولات السياسية الخاصة بملف المساعدات.
العسعس ظهر مع أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب في أول اشتباك رسمي له من النوع الذي لا يريده شخصياً ولا يحبه، فهو وزير للمالية الآن وكان وزيراً للتخطيط، وبقي طوال سنوات في ظل القرار، ويجيد العمل خلف الكواليس، ويفضل أن لا يشتبك مع النواب واستعراضاتهم.
لكن ما يفضله العسعس شخصياً لم يعد مهماً. والأهم هو أن تعبر ميزانية السنوات العجاف بأقل حد من الخسائر في المسار الاجتماعي والأمني تحديداً، حيث سبق لرئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الدكتور خير أبو صعليك أن اعتبر في نقاش مع «القدس العربي» بأن الميزانية المالية المقبلة ستتقدم في وضع معقد وصعب وستكون حادة وجافة. يتوقع الخبراء هنا، بعد فشل سياسة التصعيد الضريبي، نقصاً في الواردات مع نهاية السنة المالية قد يصل إلى مليار دينار.
وهو نقص حاد يتراكم مع عجز قديم في الميزانية أصلاً، وأمام البكار وزملائه في مالية النواب تحدث العسعس عن تصور تفصيلي عند الحكومة حول الاتجاهات التي يريدها نواب الأمة.
بكل حال، لا تبدو محاولة الربط بين ميزانية السنوات العجاف والوضع الإقليمي المتردي مقنعة بالنسبة للأردنيين الذين يتحدث نشطاء الشارع منهم عن سياسات وقرارات خاطئة وعن ترهل وفساد وعن رهانات غير محترفة في ملفات الإقليم، خصوصاً على الصعيدين السوري والعراقي وقبلهما الفلسطيني.
الحديث تشريعياً عن سنوات عجاف يحاول تقليص آمال وسقف توقعات الأردنيين بميزانية مريحة، في الوقت الذي سعت فيه خطة الحكومة لحماية الاقتصاد الوطني إلى تحريك السوق بحزمة إجراءات وتسهيلات لقطاعات استثنائية محلية.
لا يوجد ما يبرر في المقابل رفع سقف التوقعات أيضاً جراء الانفتاح الأخير على المملكة العربية السعودية، فقد تعلمت المؤسسة الأردنية أن لا تغرق في الرهانات والتوقعات هنا، رغم أن الجانب السعودي بدأ يتحدث عن توجيه استثمارات سياحية الطابع أو لها علاقة بمجال الطاقة باتجاه جنوب الأردن وعلى أساس شراكة استثمارية لها علاقة بمشاريع سواحل البحر الأحمر.
بدت العلاقات بين عمان والرياض سياسياً في الأسبوعين الأخيرين أفضل من قبلهما، خصوصاً بعد تنحية السفير السعودي السابق الذي أزعج السلطات الأردنية عدة مرات، الأمير خالد بن فيصل. لكن هذه التناغمات الدبلوماسية والسياسية، وبعد مشاركة الملك عبد الله الثاني في النسخة الأخيرة من مؤتمر دافوس الصحراء، لم تتطور بعد إلى ما هو أكثر من مجرد وعود على الورق وملفات تناقش بين وفود من الدرجة الثالثة في البلدين وتحت عنوان شراكة استثمارية محتملة بقيمة ملياري دولار غير محسومة أصلاً.
في الأثناء وضع الأمريكيون الاقتصاد الأردني على الحافة طوال السنوات العجاف التي يتحدث عنها العسعس، ومالوا في الأسابيع القليلة الماضية إلى فتح المجال أمام انفراجات محتملة في الحراك الإقليمي الأردني.
ونتج عن ذلك التنسيق أكثر مع الكويت، وبروز حوار تعاوني استثماري مع قطر، ووعد أمريكي بزيادة المساعدات النقدية قليلاً، ونتج عنه أيضاً الاسترسال في الوعود السعودية ومحاولة إعادة بناء جسر تواصل أردني مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعد مرحلة متسعة من التوتر والتأزيم.
لكن كل هذه النشاطات لم تقلص مخاوف نواب ووزراء الأردن من الميزانية المالية المقبلة.
وقد لا تساعد في توفير سيولة نقدية هي المطلوبة الآن قبل أي شيء آخر؛ تجنباً للخيارات الأصعب المعقدة، مثل رفع أسعار خدمات المياه والكهرباء مجدداً، الأمر الذي يشغل ذهن الحكومة قبل أي ملف آخر الآن، ويحاول الوزير العسعس التعبير عنه عبر التقدم بخطته المتعلقة بالتشغيل وتحفيز النمو ووقف الجباية الضريبية، كما شرح لـ»القدس العربي» سابقاً.
التحفيز المشار إليه محطة مهمة، وإجراءات الحكومة الأخيرة تبدو مشجعة، لكن عقدة المنشار لا تزال في بند السيولة النقدية، ومن الواضح أن العسعس لا يريد إطلاق وعود لأنه يعرف طبيعة الأزمة فيحتمي مجدداً بعبارة «السنوات العجاف».