اراء و مقالات

«سوف يفعلون».. قالها ترامب مجدداً: ما هي «خطة» الأردن لمواجهة الإحراج وسيناريو «المساكن» الأمريكي؟

عمان- «القدس العربي»- يمكن عملياً بناء «استنتاجات» محددة سياسياً في حال تمحيص «الملاحظات الإرشادية» التي تستقبلها بعض وسائل الإعلام المحلية بعد أسبوع الرئيس ترامب العاصف، وهو يعلن رغبته في «تهجير» أهل غزة إلى الأردن ومصر.

الملاحظة الأولى تقترح: عناصر الاشتباك مع مقترحات ترامب لن يتم تحفيزها عبر الشارع الشعبي مرحلياً على الأقل.
والثانية تلفت نظر الكتاب والإعلاميين إلى أن تعبيراتهم ومقالاتهم التي تعكس «الغضب والاعتراض»، عليها أن تتجنب العبارات والخلاصات التي يمكن أن «تشتم» الرئيس الأمريكي أو توجه له عبارات «جارحة» من الصنف الذي يمكن رصده من جهة السفارة الأمريكية.
بعض التوجيهات الحكومية عن بعد، اجتهدت في تجنب مقالات «حادة جداً» ضد ترامب في الصحافة الأردنية الرسمية أو حتى شبه الرسمية.. المطلوب أيضاً البقاء خلف السقف الذي أعلنه وزير الخارجية أيمن الصفدي، ولاحقاً ألا يترك الميكروفون بحذر لجماعة الإخوان المسلمين فقط، وفي الأثناء تخفيف حدة التوقعات السلبية وإظهار قدرات الدولة الأردنية على التصرف. ما الذي يعنيه بروز أو إيصال هذه الملاحظات بصورة محددة؟
عملياً، لا توجد إجابة مفصلة على سؤال من هذا الصنف؛ لأن كل مساحات النقاش التي أنتجتها أو أثارتها مقترحات الرئيس ترامب لم يرافقها بعد «سردية رسمية حكومية» أو نص موحد يمكن اعتماده في «الهجوم المعاكس».
ثمة تساؤلات لا تميل الحكومة في عمان لمحاورتها، لكنها تبقى مطروحة. على سبيل المثال، يعلم الرأي العام الأردني الآن ما الذي يريده أو تقوله الإدارة الأمريكية بخصوص «تهجير أبناء غزة» أو «تسكينهم في الخارج»، لكنه- أي الجمهور الأردني- لم يعلم بعد كيفية رد الحكومة والسلطات.
ما يخطط له ترامب «معلوم» للأردنيين، لكن خطة حكومتهم أو الرد على المقترحات المختلة تبقى في علم المجهول إعلامياً، والسبب أن المؤسسات لا تريد المساهمة في نقل صراع أو خلاف أو خضوع محتمل وجزئي لترامب وطاقمه إلى طبقات الجمهور المحلي.
والانطباع أن هوس الأردنيين بترامب ومقولاته لم ترافقه «سردية رسمية موحدة» يعزف على أوتارها الإعلام والجمهور، لا بعنوان ما قيل لترامب ولا بعنوان هوية وملامح خطة الاشتباك مع خياراته «المستحيلة» في الفهم الوطني الأمني الأردني، كما يقدر السياسي مروان الفاعوري وهو يبلغ «القدس العربي» بأن ما يقترحه ترامب ليس تعبيراً عن معادلة فرض السلام بالقوة، ولكن الوطن البديل بالقوة والابتزاز.
حتى مفردة «ابتزاز» شطبت بـ «تعليمات رؤساء تحرير» من نصوص مقالات وكتاب محليين، ليس لأنها «تخدش مشاعر» الرئيس الأمريكي، بل لأنها تساعد متطرفيه في ممارسة الابتزاز «أكثر».
رغم ذلك، واصل الأردنيون طرح التساؤلات. والصحافية رنا الصباغ سألت علناً عن «خطة السلطات بصراحة»، وما يقترحه الفاعوري تحشيد الأردنيين حقاً حول نص وطني موحد، ثم مهاجمة مقترحات ترامب لحد يفهم فيه بدون مجازفات بأن عليه بعد الآن شطب عبارة «تهجير فلسطينيين» من قاموسه وأدبياته تماماً عندما يتعلق الأمر بالأردن.
لا يمكن لوم الحكومة والسلطات على «حجب بعض الأجوبة والمعطيات».
القناعة في بعض دوائر القرار راسخة بأن التصدي لمخططات ترامب مواجهة أو معركة تحتاج لمواجهة دبلوماسية ناعمة جداً للغاية وأشبه بالعبور وسط حقل ألغام مع رئيس أمريكي موصوف بأنه «صديق»، لكنه «غير متوقع»، وهو -وفقاً للمحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني سنان شقديح- «لا يحترم إلا الأقوياء، ويهوى الاستقواء على الضعفاء».
لذلك، فرضت حالة من «التهدئة» على كتاب الموقف الرسمي ووسائل الإعلام، وطلب من تنظيمات الشارع التعبير عن الرأي بدون «تحشيد وتثوير وتأزيم» الشارع، وقررت الجهات الأمنية مراقبة «منصات التواصل» لاصطياد أو ردع أي إساءات للوحدة الوطنية على هامش تصريحات ترامب.
ولذلك أيضاً، برزت أو أبرزت الاختراقات المهمة التي حصلت مع تحصيل تضامن «اقتصادي ومالي» أوروبي بعد أسبوع فقط من قرار إدارة ترامب شمول الأردن بـ «حجب أو تعليق المساعدات» وترتب التواصل مع الفلسطينيين والمصريين أملاً في هندسة موقف ثلاثي موحد يضعف سيناريوهات ترامب التي تعتبر بوضوح أسرع وصفة لإثارة «قلاقل أمنية» في الأردن ومصر.
عمان الرسمية في هذه المرحلة لا تريد استعمال «تلك الشعبية» كأداة اشتباك في مواجهة صعبة ومحرجة مع الرئيس ترامب قبل إجراء كل الاستكشافات والمناورات الخبيرة اللازمة والضرورية، مع أن عدد رموز طبقة رجال الدولة الذين يحذرون من القادم في عهد ترامب يزيد وينمو ويزحف في الأردن، والأهم بدأ يغادر منطقة الصمت ويتحدث مع الجمهور.
وهنا يبرز المطلوب من خلال التوجيهات للمطبخ الإعلامي بأن إدارة رفض مقترحات ترامب يجب أن تدار بأقصى طاقات الدبلوماسية الحذرة التي «قد تنتج» وبصيغة ناعمة للغاية تجنباً لمجازفات أو مواجهات «شخصية» مع رئيس «شخصاني للغاية»، على حد تعبير مسئول أردني استفسرت منه «القدس العربي» تحدث بصيغة «نتحدث بهدوء مع كل الأصدقاء في أوروبا والكونغرس».
والأمل هنا لفت نظر البيت الأبيض بأن «كذبة تسكين» أهل غزة بالخارج مؤقتاً لإعادة الإعمار، لا تنطلي على أهل المنطقة ولا تصلح إلا ضمن تقرير يعده خبير ركام وعقارات، وليس لحكومات وشعوب ودول تعلم مسبقاً بأن «التهجير لأغراض التسكين» الآن أقرب وصفة لإثارة الإقليم وليس تهدئته.
الأهم أن كل عمليات الطبخ والترتيب لسيناريو الاشتباك الناعم مع مقترحات ترامب أردنياً على الأقل «لم تفلح بعد» فيما يبدو؛ فمساء الخميس عاد الرجل لإصدار تصريح مقلق يوحي ضمناً بأن التصعيد قادم لا محالة مع الأردن ومصر، عندما أعلن بصريح العبارة «هم -يقصد مصر والأردن- سوف يفعلون ذلك».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading