شخصيات أردنية تعتبر أن المملكة ليست بمنأى عن الأخطار وتداعيات الحرب… وتتداول مقترحات لـ «إعادة بناء المرجعية الفلسطينية»
عمان ـ «القدس العربي»: لا يتعلق الأمر فقط بعبارة «إعادة بناء مرجعية فلسطينية وطنية عليا» بقدر ما يتعلق وحصراً عندما يحاول الأردن تحديداً التفكير بتداعيات الملف الفلسطيني خارج الصندوق، بالفهم التفصيلي أو بالخلاف على ذلك؛ الفهم داخل المؤسسات ولنفس تلك العبارة.
واضح تماماً أن عبارة إعادة بناء المرجعية الفلسطينية (التي يتكرر الحديث عنه بعد مطالب الإدارة الأمريكية بإصلاح السلطة الوطنية) تخطف أبصار الأردنيين، لا بل تشغلهم وتغريهم. والاختلاف طبعاً يكون أوضح بين شروحات مثل هذا الهدف المشروع سياسياً وكيفية الوصول إليه تارة، وبين ما يرشح عن تصورات قادة حماس بالخصوص وما تقوله لشخصيات أردنية وما يفكر به العمق الأردني انطلاقاً من «وقائع الحال».
قبل نحو 24 ساعة فقط، جذبت مذكرة «النداء الفلسطيني» التي تضم شخصيات إسلامية وعربية وأردنية عدداً كبيراً بصورة لافتة من الشخصيات الأردنية وهي ترفع شعار «إعادة بناء المرجعية الفلسطينية» كمضمون أساسي بدأ يراه أردنيون بارزون من بينهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات مقدمة طبيعية ومنطقية للنفاذ إلى أو إلى إنفاذ خطة وقاية وطنية أردنية.
وفي الوقت الذي رفع فيه وزير المالية الدكتور محمد العسعس علناً مخصصات الأمن والدفاع بمالية العام المقبل من أجل «حماية الموقف السياسي للمملكة» كما قال للنواب تحت قبة البرلمان، بدا أن سياسيين كباراً ومحليين يتصورون أن إعادة بناء الشرعية الفلسطينية أو إعادة هيكلتها بما يضمن مشاركة فصائل المقاومة فيها قد يكون المدخل الآخر أو النظير سياسياً لفكرة تدعيم وإسناد الثوابت والموقف السياسي.
بدا واضحاً وبعدة لهجات أن المقاومة الفلسطينية أصبحت بصورة نادرة لاعباً لا يستهان به في عمق حاضنة النخب والمجتمع في الأردن. ثمة أدلة وقرائن تبرز الآن يومياً على أن النخب الوسطية أو الخبيرة سياسياً لا تريد ترديد حالة التصفيق الجماهيرية والشعبوية للمقاومة، لكنها تدعم سيناريو المذكرة التي تقترح مساعدة الموقف السياسي الأردني المعلن بدعم إعادة تجديد الشرعية الفلسطينية بوجود المقاومة.
تلك مفارقة لا يمكن إسقاطها من حسابات السياسة الأردنية الآن؛ لان آخر تقرير صدر عن لجنة المتابعة في السفارة الأمريكية أشار بوضوح إلى أن نحو 80 % من الشعب الأردني يؤيد حركة حماس بصيغة غير مسبوقة، وأيضاً لأن تقليب «القدس العربي» للقائمة التي وزعتها الجهة المشرفة على أول مبادرة تنطلق من شخصيات أردنية في السياق الفلسطيني أظهر أن فكرة الدمج للمقاومة مع خط إعادة تجديد الشرعية بدأ يستقطب المزيد من الأسماء السياسية والنقابية ومن رموز طبقة رجال الدولة في المشهد الأردني.
أسماء كبيرة لم تمانع إشراك فصائل المقاومة بالشرعية الفلسطينية التي تستوجب التجديد، وقد انضمت تلك الأسماء إلى لائحة توقيع بيان النداء الفلسطيني المشار إليه، وآخرهم كان رئيس الوزراء الأسبق المخضرم عبد الرؤوف الروابدة، ومعه الرئيس الأسبق علي أبو الراغب، ومعهما نظراء أساسيون، من بينهم عبد الكريم الكباريتي وأحمد عبيدات وطاهر المصري.
لم يعد سراً أن مشاهدة أسماء ما لا يقل عن 200 شخصية أردنية بارزة ونشطة بما فيها زعامات عشائرية إلى جانب أسماء شخصية إسلامية وعربية في دعم مشروع تجديد الشرعية الفلسطينية، باتت محطة نتجت -برأي السياسي والخبير الدكتور محمد الحلايقة- عن عمق تأثر المجتمع الأردني بعد معركة طوفان الأقصى بكل مستجدات المشهد الفلسطيني.
يوافق الحلايقة وهو يتناقش مع «القدس العربي» على الاستنتاج الواضح الذي يشير إلى أن حرب الإبادة الدموية التي يشنها الإسرائيلي اليوم على قطاع غزة وعمليات جيشه في الضفة الغربية هي مسائل أنتجت كل الهواجس والمخاطر ليس في عقل الدولة الأردنية فقط، ولكن في عمق ذهن المواطن الأردني والشعبي.
ذلك استنتاج سياسي في غاية الأهمية، يفيد بأن ما يجري في غزة والضفة الغربية أصبح عنصراً متقدماً وأساسياً في تفكير الأردنيين معاً قيادة وشعباً. وحتى على الصعيد النخبوي؛ لأن تركيبة ونوعية الهمجية الدموية الإسرائيلية في قطاع غزة مسألة لا يستطيع الأردن حتى برأي رئيس الوزراء الأسبق وصاحب الخبرة العريضة علي أبو الراغب، الادعاء بأنها لا تخصه.
ضم أبو الراغب مؤخراً صوته مع الموقعين على النداء الفلسطيني، ثم دعا عبر «القدس العربي» كلاً من السلطة الفلسطينية وحركة حماس وغيرهما للجلوس معاً لمواجهة تلك الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وكل مؤسساته وفصائله. وفي المقاربة الوطنية الأردنية، فالمملكة شعباً ودولة كما يرى أبو الراغب والحلايقة وغيرهما، ليست بمنأى عن الأخطار.
وهذا الإدراك الذي يزيد بانعكاسات ومخاطر ما يفعله اليمين الإسرائيلي أصبح مقدمة للولوج نحو طريقة أردنية جديدة في التفكير، والمفروض أن تتبعها حكومياً طرق متجددة أخرى في التدبير والإجراء وسط نمو وزحف في أوساط النخبة للفكرة التي تقول إن الفارق في معادلة المصالح الأردنية واضح ولا يستهان به بين التركيز على تجديد أو إصلاح السلطة الفلسطينية القائمة حالياً(كما يطرح الأمريكيون)، أو الذهاب إلى منطقة مرتبطة بإعادة تجديد الشرعية وعدم الوقوف فقط مع انتظار ما يمكن إصلاحه في جهاز السلطة.