«عباءة» من أجل الشرع… واحتضان لـ «مشروع اردوغان»… الأردن – تركيا: تخاطر فـ«تلامس» ثم مصالح

عمان- «القدس العربي»: الانطباع يزيد سياسياً في الأردن بأن تشبيك العلاقة مع «منظومة الثورة السورية» الحاكمة الآن في دمشق دخل -باعتباره الخيار الأمثل- ضمن صياغات المعادلة الإقليمية للبلاد، ليس فقط بسبب «المناخ» الذي رافق استقبال القائد أحمد الشرع مؤخراً في عمان، ولكن أيضاً بسبب التحديات التي تفرضها على الدولة الأردنية حسابات وأطماع ومشاريع وضغوط اليمين الإسرائيلي والحساسات المعقدة التي ستنتج عن تدهور الأوضاع في الضفة الغربية تحديداً، وفقاً لتصنيف وقراءة السياسي البارز طاهر المصري، الذي يرى أن التحديات التي تدخل فيها إسرائيل الجميع بالمنطقة معقدة للغاية وخطرة ومقلقة.
الإسلاميون الأردنيون أول من قدر علناً بأن «دعم وإسناد» الدولة السورية الجديدة هو الخيار الأمثل لمصالح البلاد، الأمر الذي التقطه قبل الجميع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، عندما قام بتعداد المكاسب والمزايا على اعتبار أن أولها وأهمها التخلص من النظام السوري السابق المعادي للنظام الأردني.
الإسلاميون يعيدون التأكيد على توفر «سلة فرص» في المشهد السوري للاقتصاد الأردني، لكن حماسة التيار الإسلامي لاحتضان الشرع ورفاقه في قراءات الدولة العميقة أردنياً، مرده الأساسي والمركزي التقارب مع مقتضيات الراعي التركي ووجود جزء لا يستهان به من قيادة جماعة الإخوان المسلمين وتحديداً السورية، في إسطنبول خلافاً للترحيب طبعاً بالعباءة التركية التي ترافق الآن الثورة السورية وتجتهد ضد العمل المعاكس والمضاد.
يصر المحلل السياسي الأردني الدكتور رامي عياصرة على ضرورة تطوير ميكانيزمات مقاربة أردنية أكثر قرباً من معادلة سوريا الجديدة، مقترحاً بأن العكس قد يؤشر على خسائر أساسية من الصعب إنكارها.
في المقابل، لغة الاستقبال الضخم الذي حظي به الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته الأخيرة لعمان بالتوازي مع «انفتاح محسوب» يتجاوز بعض «حسابات الماضي» مع الجمهورية التركية والرئيس رجب طيب أردوغان، يؤسس لمشهد أردني سياسي أكثر براغماتية وإنتاجية على صعيد التأسيس لحالة اصطفاف أردنية إقليمية خارج المألوف، ولكن في الوقت ذاته ضمن حسابات دقيقة وبدون مغامرات.
لاحظ الجميع أن الشرع حظي باستقبال «زيارة دولة» تخص كبار الزعماء في عمان، فيما زار ولي العهد الأمير حسين بن عبد الله أنقرة، وتبادل وجهات النظر مع الرئيس أردوغان، ثم صرح الأمير الشاب بأن الزيارة كانت «قيمة جداً» قبل أن يظهر أردوغان «مرونة» لا يمكن إلا تلمسها في مواجهة دعوة ملكية مباشرة وجهت له لزيارة الأردن.
هذا «التخاطر والتلامس» في محور عمان- أنقره خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية، له بالتأكيد مسوغاته الضمنية العميقة وأسبابه، لكنه أصبح ظاهراً للعيان ولا يمكن إنكاره، واستند إلى أن العاصمتين نفضتا الغبار في التوقيت نفسه عن ملفات تقارب استراتيجي بقي مؤجلاً في الماضي القريب ونتجت عنه خلافات.
أنقره تقطع الآن «خطوات» في اتجاه عمان في إطار محسوب.
والعكس أيضاً يحصل -كما يلاحظ العياصرة وآخرون- في المراقبة السياسية الحصيفة؛ لأن محصلة ما يجمع العاصمتين الآن مصلحياً هو أكبر وأوسع مما يمكن أن يفرقهما، خصوصاً أن النادي العربي الحليف لعمان يقيم مرحلياً علاقات واتصالات مع أردوغان وبحماسة، ولا توجد «موانع» لا مصرية ولا خليجية يمكن أن تعيق «حوار المصالح» الأردني التركي، وجذره الأساسي الآن سوريا الجديدة وما يحصل أو يمكن أن يحصل فيها.
وهنا تمكن الخبراء من التقاط ما هو جوهري في المسألة بالاستقبال الاستثنائي في عمان للرئيس الشرع، فقد حصل تفاعل مع الرغبة التركية في دعم وإسناد علاقات مميزة بين دمشق وعمان في ظل مجموعة الشرع. والحساب الأمني – الاستراتيجي التركي مثير جداً في هذا المحور؛ لأن لدى أنقرة قناعة لا يعارضها الأردنيون بأن المملكة الأردنية الهاشمية من «ضمانات الهدوء» الأساسية في درعا والسويداء تحديداً، حيث تأثير أردني قوي في المنطقتين من الصنف الذي يمكنه أن يساعد الشرع.
ما يرشح من أوساط الخارجية التركية يوحي بأن أنقرة على قناعة بأن التأثير الأردني على طول المناطق الحدودية في العمق السوري، خصوصاً مع المكون الدرزي وفي محافظتي درعا والسويداء، من العناصر الأساسية لـ «ردع أي مشاغلات» إسرائيلية لاحقاً في المنطقة، خصوصاً أن العلاقات الأردنية مع اليمين الإسرائيلي في أسوأ أحوالها.
بالتزامن، ما يشعر به الساسة الخبراء هو التأسيس لـ «مقايضة» أردنية- تركية ثنائية تجتمع في منطقتين كل منهما تقود إلى دعم وإسناد الثورة السورية أردنياً.
وهي مقايضة فكرتها حاجة الأردن إلى «سوريا الجديدة» وإلى الهلال السني التركي في مواجهة «أجندة» اليمين الإسرائيلي وحاجة الشرع وتركيا بالمقابل للثقل الأردني في التخاطب مع المكون الدرعاوي المسلح والأهلي ولاحقا المكون الدرزي، حيث علاقات تاريخية قديمة بين الأردن ودروز سوريا ولبنان يمكن الاستثمار فيها.
لذلك، وتفاعلاً مع القيمة الفائضة لتلك المقايضة السياسية المنسجمة مع «حوار المصالح» الأردني التركي في منطقة تقاطع إقليمية ووقتية نادرة، برزت تلك الرسائل التي حظي بها الشرع وهو يُستقبل بالموكب الملكي الأحمر في عمان، ويحصل على ما يحصل عليه كبار زعماء العالم ضمن البروتوكولات الملكية.
في الخلاصة، تتطور العلاقات المصلحية المرحلية بصورة ملحوظة ومرصودة بين عمان وأنقره.
في الأثناء، فردت عمان»عباءة ما» على الشرع ومجموعته، ودخلت في مجازفة سياسية تضامنية محسوبة لا تشبهها أملاً في رد وردع «السيناريو الأسوأ»، ما يثبت أن الأردن في السياسة الإقليمية يحاول التحرك بحذر وبالقطعة والتقسيط وسط الرمال المتحركة في المنطقة ووسط حالة السيولة الاستراتيجية.