«عسكرة الأغوار»: رام الله – عمان… محور «يتحرش به» الإسرائيلي وفي الأزمة الصامتة «حرب مخدرات وتهجير»

عمان- «القدس العربي»: اللقاء الذي عقده العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، صباح الأحد، مع وزراء الخارجية العرب والإسلاميين الذين منعتهم إسرائيل من زيارة رام الله، قد لا يقف سياسياً عند مساحة التعويض مادام الاجتماع التشاوري التنسيقي قد عقد في عمان بدلاً من رام الله، بقدر ما يؤسس لاستعراض الخيارات مجدداً بسبب طبيعة الرسالة التي تضمنها القرار الإسرائيلي.
مبادرة لقاء الوفد الوزاري العربي الإسلامي للرئيس محمود عباس في رام الله كانت أصلاً مدعومة وبقوة من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وعليه، يصبح من الطبيعي القول إن قرار حكومة إسرائيل منع الوفد من التحرك إلى رام الله عبر جسور الأردن هو ضربة جديدة تضغط على العصب الحيوي للسياسة الأردنية من جانب اليمين الإسرائيلي الذي يعلن حرباً في كل حال على الأردن، وبدأت تربطه بعمان علاقات غامضة وملتبسة وحمالة أوجه عندما يتعلق الأمر بإمكانات التفاهم على نتائج وتداعيات مشاريع اليمين الواضحة في حسم الصراع وضم الضفة الغربية والأغوار.
السياسي والخبير الاستراتيجي العسكري الفريق قاصد محمود، عاد ولفت نظر «القدس العربي» إلى أن هذه العدائية التي يظهرها حكام تل أبيب اليوم تجاه الدول العربية المعتدلة دليل إضافي على أن الكيان الإسرائيلي يجهز أوراقه لاعتماد سيناريو التهجير.
وجهة نظر الفريق محمود، أعلنها مجدداً في عدة محطات إعلامية متلفزة خلال اليومين الماضيين، وهي أن التهجير -خصوصاً من الضفة الغربية- لا يعبر عن تجاوز للخطوط الحمراء فقط، بل هو تهديد وجودي وأمني مباشر للأردن، معتقداً أن ردود الفعل الإجرائية تأخرت أردنيا وعربياً، لكنها لا تزال ممكنة ودون خيارات التصعيد العسكري في كل حال.
قرار إسرائيل بمنع الوفد الوزاري العربي الإسلامي من زيارة الرئيس عباس في رام الله، يسمح بإعادة التسمية والترقيم خصوصاً في الزوايا البعيدة لاستراتيجية الأردن في الاشتباك والتعاطي مع مستجدات الضفة الغربية مادامت عمان تتحرك في الفضاء الفلسطيني بعيداً عما يجري في قطاع غزة حصراً. وهنا يمكن قراءة قرار إسرائيل المحرج بمنع الوزراء الضيوف من زيارة رام الله أنه ضربة حقيقية، لا بل إضافية ليس للجهود الأردنية فقط ولكن لأبرز الصفحات في كتاب الاستراتيجية الأردنية أيضاً، وهي تلك الصفحة التي تراهن دوماً على تثبيت أقدام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وعلى التواصل الدائم مع الرئيس عباس باعتباره يمثل الشرعية الفلسطينية.
يقول الإسرائيليون وبكل اللهجات، إنهم لا يريدون السلطة لا في رام الله ولا في غزة.
ولا يريدون بطبيعة الحال أي مؤسسة فلسطينية شرعية، الأمر الذي يحاصر بلداً مثل الأردن من زاوية تغيير قواعد اللعبة تمهيداً فيما يبدو أولاً، للتوسع الإستيطاني وخصوصاً في منطقة الأغوار، وثانياً ضم المناطق «سي»، وثالثاً التمهيد لضم الضفة الغربية.
تحتاج عمان إلى إعادة قراءة المشهد ليس لأغراض فلسطينية فقط ولكن لأغراض أردنية داخلية وإقليمية خارجية، وهو ما يجعل العاصمة الأردنية محور نقاش وتفاوض واستعراض قدرات أملاً في التشبيك مع المواقف التي تظهرها الدول الأوربية الآن ومع بناء موقف عربي موحد قدر الإمكان. وجهة نظر الفريق محمود تقول إن ما يفعله الإسرائيلي اليوم هو وضع الشعب الفلسطيني أمام خيارين، هما: «الجوع اقتصادياً، أو الرحيل»… وذلك يشكل منطقة متقدمة جداً في فرض التحديات على الأردن حصراً.
الخطوة التي قام بها مؤخراً السياسي الأردني الدكتور جواد العناني، تحت عنوان مخاطبة العقل الإسرائيلي، أظهرت عدم وجود طرف آخر يمكن مخاطبته في الواقع، وهو ما ثبت للعناني وآخرين لاحقاً.
قبل ذلك، ثمة مستجد إسرائيلي جديد ضاغط على الأردن ولا يستهان به ويعرضه عبر نقاش مع «القدس العربي» خبير الاستخبارات والاستراتيجيات، نضال أبو زيد، على هامش مناقشة ما يقوله الإعلام الإسرائيلي عن مبررات عسكرة منطقة الأغوار، إما عبر تأسيس فرقة جلعاد، أو عبر المبالغة في الحديث عن تهريب الأسلحة من الجانب الأردني؛ خلافا طبعاً لتخصيص نفقات بناء جدار إلكتروني قد يصل طوله إلى 97 كيلومتراً.
تحليل أبو زيد هو أن المسألة لا علاقة لها بإسطوانة الاحتياجات الأمنية، وأن الحدود من جانب الأردن مضبوطة ومنضبطة باحتراف، وأن مؤشرات العسكرة الإسرائيلية للجغرافيا في أكتاف الأغوار جزء من متطلبات تشدد الحكومة الإسرائيلية لا بل من متطلبات الضم، فيما الجزئية الأهم والأخطر التي يكشفها أبو زيد هي تلك التي تتعلق بانتهاكات ومخالفات ضد الأردن من الجانب الإسرائيلي على حدود الأغوار.
الدليل الذي اقترحه أبو زيد هو تلك الإفصاحات التي بدأت تعلن مرة تلو الأخرى عن إسقاط مسيرات تحاول التسلل والعبور وتحمل المخدرات من المناطق المحتلة غربي نهر الأردن باتجاه الشرق.
الرسالة هنا واضحة، وقد تنبهت لها منذ يومين بعض مؤسسات الإعلام الأردنية، وعنوانها الأعرض أن ائتلاف تهريب المخدرات الإسرائيلي بدأ ينشط ضد الأردن، وأن الجيش الاسرائيلي لا يقوم بواجباته هنا، وأن موقفه مريب، فيما تلك مسألة قالت صحيفة الأنباط المحلية في عمان إنها تناقش خلف الستائر وعلى المستوى السيادي.
العبء الإسرائيلي يزداد على الأردن وخياراته. والمستشار القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم سبق أن أوضح لـ «القدس العربي» بأن تحريك سكان باتجاه الأردن مخالفة مباشرة لنص صريح في اتفاقية وادي عربة واعتداء بالمعنى الحربي، وهو حسب القوانين الدولية يستوجب رداً يضمن القانون الدولي شرعيته وبالمعنى العسكري عندما يحصل الاعتداء.