عشائر الأردن و«مئوية الدولة الثانية»: «القصر» وجه رسالته والمطلوب قطع نصف الطريق نحو «التحديث»
عمان – «القدس العربي»: مجرد إبلاغ وتمهيد لمرحلة مقبلة أم تأهيل وإدماج ودعوة للمشاركة؟ قد لا يكون هذا ولا ذاك. لكن ما نقل عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مساء الاثنين، وبعد لقاء حيوي وصريح بينه وبين نخبة من قيادات قبيلة بني حسن وشيوخها، هو في غاية الأهمية والإثارة، لا بل يجيب عن أحد الأسئلة العالقة وسط موجة من توقعات أبناء العشائر تحت عنوان كلفة مشروع تحديث المنظومة السياسية على دور وحصة العشيرة في الإيقاع الوطني العام في الأردن.
ما نقل عن الملك مباشرة هو العبارة التالية “قوة الأردن بعشائره التي كانت دوماً داعماً لمسيرة تطوره”. تلك عبارة واضحة الملامح ولا مجال للغرق والاسترسال في تأويلها خارج النص والسياق. وأغلب التقدير أن الخطاب الملكي هنا يريد ابتداء مقابلة قيادات القبيلة الأكثر عدداً والأضخم والمنتشرة في محافظات عدة في الأردن وهي قبيلة بني حسن. والإيحاء هنا واضح سياسياً؛ لأن مسطرة التحديث السياسي لا تعني مغادرة المواقع الأساسية التي تشكل قصة بناء الدولة الأردنية في المئوية الأولى، مع أن المسار اكتمل في إطار التوافق الوطني الذي شارك فيه ممثلون من أبناء قبيله حسن وممثلون للعشائر الأخرى في الإطار السياسي ولعدة أسابيع وأشهر باتجاه المئوية الثانية.
يبدو أن مثل هذا الخطاب المرجعي يسعى طبعاً لطمأنه العشائر، لكن أغلب التقدير أن البنية العشائرية بعد الآن مطالبة بقطع نصف المسافة نحو برنامج التحديث والتطوير للمنظومة السياسية.
وهنا يمكن البقاء في دائرة النص الملكي المرجعي، فالحديث واضح عن مسيرة تطور الدولة الأردنية وعن دور العشائر الأردنية باعتبارها كانت على مدار عقود داعمة لمسيرة التطور.
لذا، يفهم بأن نخبة أبناء العشائر ورموزها وشيوخها – وهم بالمناسبة كثر ويقدمون دوماً المثال الأكبر في الإنتاجية وتعزيز الأمن والاستقرار الداخلي- عليها الاتجاه نحو مسارين الآن:
الأول، تبديد القلق من أن نمو الأحزاب السياسية في المرحلة اللاحقة يمكن أن يكون على حساب دور العشائر، خصوصاً أن قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين واضحان تماماً في سياق ما يسمى إعادة بناء مركز الثقل العشائري ومركز التمثيل العشائري في السلطة التشريعية تحديداً، ولاحقاً التنفيذية في حال الانتقال إلى منسوب الاشتباك مع برلمان بأغلبية حزبية أو حكومة بأغلبية برلمانية حزبية.
هنا الخيارات التطويرية بالنسبة للدولة وصناعة القرار واضحة الملامح. وكما لاحظ الكاتب والإعلامي المعروف محمد أبو سماقة في تغريده له، فالخطاب الملكي مع أبناء قبيلة بني حسن بضيافة النائب للمخضرم والمشرع البارز عبد الكريم الدغمي كان عبارة عن رسالة ترد على التشكيك بدور العشائر الأردنية في المرحلة المقبلة. وهي المفارقة التي التقطها بذكاء أبو سماقة أحد أبناء قبيله بني حسن المثقفين والمشتبكين مع التفاصيل إعلامياً وسياسياً طوال العقود الثلاثة الماضية.
في كل حال، الخطاب لا يخص طبعاً أبناء قبيلة بني حسن حصراً، لكنه يلفت النظر إلى أن العشائر في وجدان المؤسسات المرجعية والقيادة لا تزال عنصر القوة الأساسي وورقة القوة المحورية في حضن الدولة الأردنية، وأن هذه العشائر كانت على الدوام دائماً داعمة لبناء الدولة، لكن ينبغي أن تبقى اليوم دائمة لمسيرة تطوير الدولة. وكلمة تطوير بالتأكيد هنا تقصد المئوية الثانية للدولة والمؤسسات التي ستفرزها.
الحديث الملكي بهذا المعنى دعوة للاطمئنان، لكن على قادة البنية العشائرية ووحدتهم الأساسية الانتباه إلى أن الحفاظ على الاستقرار العام وسط المجتمع عموماً يتطلب سلسلة من الواجبات والتهيؤ للمرحلة المقبلة تحت عنوان الأحزاب.
الأحزاب السياسية مفتوحة تماماً اليوم لكل مكونات المجتمع الأردني، وليس سراً أن نخبة عريضة من الأحزاب الوسطية الجديدة المستحدثة والمرخصة بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد فيها تعبيرات لا يمكن الاستهانة بها عن مراكز الحراك وبؤر النشاط في البنية العشائرية والجهوية على مستوى الأطراف والمحافظات. لذا، العشائر موجودة في بنية ترخيص وتأسيس الأحزاب الجديدة، وقد كانت موجودة في كل الطيف الحزبي القديم، بما في ذلك جبهة العمل الإسلامي والحركة الإسلامية.
وعليه، لا يمكن توجيه اللوم باسم أبناء العشائر لكل من يتحدث سراً لا علناً ويهمس لشيطنة مشروع تحديث المنظومة السياسية على أساس أنه بديل لدور العشيرة أو تقنية وصيغة يقصد منها الانتقاص من حصة وحضور ومقاعد العشائر في البنية السياسية العامة، لأن عملية التحديث السياسي غير ممكنة، أو غير ممكن أن تصل إلى مستويات آمنة ومستقرة أصلاً بدون الارتكاز على الثقل العشائري نفسه.
وذلك يتطلب بطبيعة الحال قدراً إضافياً من الوقت وفرصة لاشتراك العشائر بالأحزاب السياسية، الأمر الذي يمكن القول بأن المفارقة الملكية تلفت النظر له عندما تشير إلى أن العشائر تمثل قوة الأردن، وكان لها على الدوام دور أساسي في دعم مسيرة تطور الدولة الأردنية، وهي كلمات عبارة عن دعوة مفتوحة لأبناء العشائر تتطلب فقط تعديل بعض تقنيات وشكل التعبير عن الدور العشائري ضمن خطوة التطور الطبيعي وبعيداً عن التشكيك وحتى عن الممارسات التشكيكية التي تحاول بناء فرضية لزعزعة مشروع تحديث المنظومة فكرتها أن الأحزاب هي البديل عن العشائر.
الأقرب للمنطق اليوم، خصوصاً بعد العبارات الملكية التوجيهية في لقاءات قادة بني حسن- تلك القبيلة المهمة جداً، هو أن التجربة الحزبية ومشروع التحديث مفتوح أمام أبناء العشائر.