غاز ومياه: هل «أضعفت» صفقة مصر قواعد الاشتباك الأردنية مع إسرائيل – نتنياهو؟

عمان – «القدس العربي»: قد لا تتعلق المسألة بالأسعار والأسواق فقط، وقد لا تتعلق بصفقة الغاز الإسرائيلية المصرية ذاتها، بل بتداعياتها وتأثيراتها المفترضة والمنطقية على ما سمي طوال الوقت خلال عامين من تطور في الأحداث الإقليمية بالشراكة الأردنية المصرية مما ينسحب على المواصفات والمقاييس المطلوبة في عمان والقاهرة لبقاء الحالة العربية في الاتجاه المعاكس لحالة اليمين الإسرائيلي.
صفقة الغاز بين تل أبيب والقاهرة المعلنة مؤخراً تضغط بصيغة ما على الحسابات الحيوية الأردنية. لكن الجانب الرسمي في عمان لا يعلق على الحدث، وإن كان الجميع يستذكر رئيس وزراء سابق أعلنت حكومته بوضوح نيتها البحث عن واردات غاز من الأسواق الدولية بعدما قلص الإسرائيليون كمية ضخ الغاز إلى الأردن بنسبة تصل إلى 50%.
ما هو تأثير صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية على حالة التموقع الأردنية؟ سؤال يطرحه ساسة وخبراء بكثافة الآن في عمان، لا بل محاولته البحث عن إجابة تنعش دعاة التكيف والتعايش مع إسرائيل الجديدة وتعيد تغليف وتعليب الأسئلة عن كلفة وفواتير البقاء في حالة صدام واحتكاك دبلوماسياً وسياسياً وبيروقراطياً مع الحائط الإسرائيلي، في وقت يتعامل فيه الأصدقاء والحلفاء وأحيانا الأشقاء، مع اليمين الإسرائيلي ويقيمون بعض مسارات تبادل المصالح معه.
يلاحظ الجميع في هذا السياق بأن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سارع بالاحتفال بتوقيع اتفاقية الغاز الضخمة مع المصريين في الوقت الذي يماطل فيه ويتباطأ عندما يتعلق الأمر بتجديد توقيع بروتوكول بيع حصة المياه الأردنية المتفق عليها سابقاً. جزئية الغاز مع مصر في الفهم الرسمي الأردني قد تكون مسألة أسعار وقرب جغرافي ولوجستيات نقل.
ملف المياه الأردنية
لكن في ملف المياه الأردنية، ثمة تأكيدات على الشعور العام بحالة ابتزاز يمارسها نتنياهو ويتجاهلها الحلفاء الأمريكيون بعد سلسلة تصدعات من الصعب معالجتها الآن وببساطة في جدار العلاقة ما بين الأردن واليمين الإسرائيلي، حيث لا اتصالات ولا مشاورات لا سياسية ولا دبلوماسية ولا حتى فنية في المساحات الثنائية.
الغاز والمياه «سلاح» برأي الخبير في الملف المائي الدكتور دريد المحاسنة، وهذا سلاح يستخدم أحياناً نكاية بالمصالح العربية والأردنية والفلسطينية.
استراتيجياً، سقطت مبكراً قواعد الاشتباك التي كانت تعتبر التعاون مع إسرائيل برعاية أمريكية في مجالات الطاقة والمياه والغاز، عملية تتميز بالاستقرار والديمومة.
الأردنيون في هذه المرحلة، على حد تقدير المحلل الاستخباري والعسكري نضال أبو زيد، في حالة عدم يقين بجذر المسألة على المستوى الشعبوي والنخبوي على الأقل. والمقصود عملية السلام ذاتها، وإفرازات ما بعد توقيع اتفاقية وادي عربة. وعملياً، وقع نتنياهو اتفاقية الغاز مع مصر، لكنه يتمنع عن توقيع تجديد بروتوكول المياه مع الأردن.. ما الذي يعنيه بذلك بصورة محددة؟
في البحث عن إجابة، ثمة محطات تدعو للتأمل. فأزمة المياه الأردنية قد لا تظهر قبل الصيف المقبل، وإتفاقية الغاز مع مصر تؤدي إلى تغيير الحالة المصرية في التموقع، خصوصاً أنها قد تنتهي بتصدر مسار التكيف المصري مع الوقائع، الأمر الذي سيخل بمعادلات أو قد يخل بمقاربات تشكل أساساً في الواقع لشراكة مصرية أردنية كانت علامة فارقة طوال الوقت، خصوصاً في تفصيلات الملف الفلسطيني. والقاهرة وعمان كانتا في موقع قريب، وأساسه الشراكة الفعلية بعد غالبية أحداث ما بعد يوم 7 أكتوبر قبل أكثر من عامين.
وهوامش المناورة الدبلوماسية والسياسية الأردنية في رفض تهجير أهل غزة والوقوف ضد الإبادة، استندت بنسبة لا يستهان بها إلى مواقف شراكة مع المصريين. وغالباً ما استندت عمان إلى القاهرة في بناء تصورات خصوصاً ضد التهجير، بدلالة اللقاءات المتكررة التي عقدت بين قيادة البلدين، وبدلالة حرص عمان دبلوماسياً على البقاء الى جانب القاهرة في كل اجتماعات النقاش العربية وحتى في الأقنية الدولية.
تماسك مصر ضد التهجير
وجود موقف متماسك لمصر ضد تهجير أهل غزة في كل الاجتماعات وكواليسها كان عنواناً عريضاً ولأكثر من عامين في تحفيز وتشجيع الدبلوماسية الأردنية ضد سلوكيات وخطابات وأجندات اليمين الإسرائيلي.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وقف في القاهرة عندما تحدث عن نظام متطرف في تل أبيب لا يستهدف الفلسطينيين فقط، بل يريد إخضاع جميع دول وشعوب المنطقة.
وبعد مستجدات صفقة الغاز المصرية، قد تتبدل بعض المعطيات. والخشية لا يمكن إنكارها وسط النخب الأردنية من أن يؤدي الاحتياج المصري للطاقة -وهو احتياج ملح بكل حال- إلى بروز أجندة تكيف مصرية مع اليمين الإسرائيلي، ما يحرم عمان في النتيجة من شريك أساسي في معادلة الجملة المعترضة، خصوصاً أن الوضع العربي برمته -حتى برأي رئيس الوزراء السابق طاهر المصري- أقرب إلى الهشاشة، فيما يدخل اليمين الإسرائيلي الجميع في منسوب تصفية القضية الفلسطينية.
المصري عبر عن مخاوف محددة في السياق عندما التقته «القدس العربي» مؤخراً، موضحاً قناعته بأن الأردن مستهدف أيضاً من ذلك اليمين المجرم المتشدد. وفي لعبة الغاز والمياه والطاقة، لا يشك الخبير الدكتور المحاسنة باستعراضات عسكرية إسرائيلية في لبنان وسوريا، هدفها السيطرة على الموارد المائية في الأثناء.
إذن، تزداد الخشية وسط النخب الأردنية من أن تنتهي ملحقات اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل بخطاب مصري براغماتي أقل تشدداً، ما يكشف ظهر استراتيجية الاشتباك الأردنية مع اليمين الإسرائيلي، ويحول تلك الرسائل التي ترد من تل أبيب وتستفسر عن أسباب وألغاز وخلفيات التصعيد الدبلوماسي الأردني، من «رسائل ود» إلى رسائل تلويح بالتهديد.
