كلفة «وفاء النواصرة» على الحكومة الأردنية: 100 ألف معلم في انتظار «نقابتهم المقموعة»
عمان- «القدس العربي»: السيارة البسيطة، التي شوهدت في أشرطة فيديو، يعتقل منها نائب نقيب المعلمين الأردني “ناصر نواصره”، نشر صورتها مؤخراً أحد المواطنين وهي تحمل لوحة مجلس النواب، حيث الخطوة الأولى في الحصانة البرلمانية بعدما تحول الرجل من ناشط معلم حراكي أوقف واتهم جزافاً عشرات المرات وأحيل إلى المحكمة، إلى نائب في البرلمان وبشرعية عريضة قد لا يتجاوزها أي من زملائه الـ 137 نائباً.
ثمة إضافة مرصودة بعدما انشغل كثيرون في الشارع والحكومة إلى حد ما بأرشيف النواصرة.
الصورة الأكثر رواجاً أيضاً هي تلك التي يظهر فيها النواصرة مطروداً من قبل رجال الأمن أمام بوابة البرلمان، فيما عنصر أمني يبلغه بأنه لا يستطيع الدخول.
الآن تتعدل الصورة؛ فالنواصرة يستطيع إدخال من يشاء بصفته الدستورية إلى مقر البرلمان الذي منع من دخوله بصفته النقابية والإنسانية. في كل حال، هذه الملاحقة الإعلامية لأحد أبرز الفائزين الإسلاميين في الانتخابات لها ما يبررها، خصوصاً أن وزراء في الحكومة الجديدة لديهم علم مسبق الآن بأن النائب النواصرة قد يكون السبب الرئيسي في رفع حصيلة قائمة التيار الإسلامي في الانتخابات إلى 465 ألف صوت عن القائمة العامة.
ما يتردد رقمياً أن المرشح النواصرة، منفرداً فيما يبدو، تمكن من جمع ما بين 80 إلى 100 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة لصالح كتلة جبهة العمل الإسلامي.
يعلم الإسلاميون أيضاً ذلك، وهذا الوضع الرقمي إن كان دقيقاً – يعني أن ميزة إضافية تسبب فيها ترشيح النواصرة – فقد يكون هو النائب الوحيد الذي لم يقف عند حدود الفوز شخصياً، بل المساعدة المباشرة في التسبب بفوز 3 نواب آخرين على الأقل مع رفع حصيلة حزبه إلى 18 مقعداً في القوائم العامة من أصل 138.
في كل حال، حتى في الحوارات الحكومية ثمة سؤال دائم عن كيفية التعاطي والاشتباك مع شرعية بهذا الحجم يشكلها التصويت للنائب النواصرة، خصوصاً إذا ما قرر إظهار الوفاء، كما ألمح في أحد أحاديثه الصحافية قبل يومين لجمهور نقابة المعلمين الذي حمله على أكتافه وأوصله لقبة البرلمان وبهذا الفائض من الشرعية الدستورية.
لم يعد سراً أن سلطات الحكومة الرسمية انشغلت فعلاً بتجهيز آلية محددة للتعامل مع النواصرة.
ولم يعد سراً أن بعض الاجتهادات التي بحثت عن سبب توزير أول نقيب للمعلمين وهو مصطفى الرواشدة، في الوزارة الجديدة حيث أصبح الأخير وزيراً للثقافة في حكومة الدكتور جعفر حسان، هي تلك الاجتهادات التي تفترض بأن وجود خبير في مجلس الوزراء بملف نقابة المعلمين سيخفف من آثار وتداعيات ملف تلك النقابة الشائك، خصوصاً إذا قرر النواصرة ومن خلفه 30 زميلاً إسلامياً له الصعود أو التصعيد في السياق.
النواصرة وقبل الانتخابات أبلغ “القدس العربي” 3 مرات على الأقل بأنه غير معني بطموحات شخصية، ولا يعتبر نفسه سياسياً، وكل ما يشغله هو عودة نقابة المعلمين وإنصاف هذه الشريحة حتى لو تطلب الأمر تقاعده واستقالته.
لكن معادلة النواصرة اليوم مختلفة؛ فجسم أضخم نقابة مقموعة في الأردن قفز به إلى سدة البرلمان، والأهم أن ذلك حصل مع النواصرة فيما تحيط به كتلة أغلبية أساسية ومهمة خطفت 31 مقعداً في برلمان 2024. مظلومية النواصرة الذي استهدف عشرات المرات معروفة للقاصي والداني، وشغفه في ملف إظهار الوفاء لطبقة المعلمين التي انتخبته اتضح من أول أحاديثه وتعبيراته، الأمر الذي يعني تحريكاً سريعاً ومتوقعاً لملف النقابة التي علق جسمها القانوني حتى الآن ومنذ أكثر من عام.
وهنا على الأرجح، ربما ينتج النائب الذي صوت له جمهور غفير من المعلمين حالة برلمانية لا بل قانونية أيضاً تجعل ملف نقابة المعلمين جزءاً أساسياً في أي مفاوضات سواء داخل كتلة التيار الإسلامي أو مع بقية الكتل تحت قبة البرلمان.
جولة مفاوضات آتيه لا محالة مع الإسلاميين، مرة على جبهة انتخابات رئاسة المجلس واللجان الأساسية والمكتب الدائم، ومرات على جبهة الحكومة عندما تواجه استحقاق طلب الثقة البرلمانية.
لذا، أغلب التقدير سياسياً بأن ملف نقابة المعلمين المعقد قد يدخل إلى مسرح الأضواء على رافعة الشرعية التي يمثلها النواصرة وكتلته والنواب الجدد، خصوصاً أن هيئات المعلمين في المحافظات والأطراف تستطيع في السياق نفسه الضغط على ممثليها في البرلمان الجديد من غير المعلمين والإسلاميين.
خبرة النواصرة في السياق تساندها خبرة زميلته التربوية المعروفة والبرلمانية القوية في الواقع الدكتورة هدى العتوم، وأيضاً خبرة زميله الذي انطلق وسط المعلمين وأصبح لاعباً سياسياً مهماً، النائب ينال فريحات، وغيرهما.
الاستفراد بالنائب النواصرة أو حتى عزله وفقاً لسيناريو يفترضه بعض المراهقين البيروقراطيين، قد لا يكون الخيار الأمثل.
وسواء في الدورة العادية للبرلمان أو في غيرها، واضح أن حكومة الدكتور جعفر حسان مضطرة لعودة سيناريو التصعيد، لكن بدون إضرابات واعتصامات في الشارع هذه المرة، وعبر سجالات توازن القوى تحت قبة البرلمان.
موسم الهجرة مجدداً إلى ملف نقابة المعلمين الذي وضع على الرف منذ عامين دون حسمه أو إغلاقه يوحي بمزيد من الإثارة السياسية والبرلمانية.