كيف رد بن غفير على العناني؟ 7 أكتوبر ثابت شعبي «أردني» والسؤال عن «جدوى ملاعبة إسرائيل»

عمان- «القدس العربي»: حجم الهجمة الشعبية والنخبوية عبر غالبية وسائط الإعلام على سياسي وخبير إقتصادي مثل الدكتور جواد العناني، يثبت مرة جديدة بأن الشارع الأردني لم يعد يقبل الإصغاء حتى للآراء التي تريد إظهار الاحترام ولو قليلاً للاعتدال السياسي أو لاستدعاء ما دفنته الجريمة البشعة في غزة من ذكريات وأدبيات ما يسمى بـ «عملية السلام».
السياسي العجوز والمحنك الدكتور العناني وجد نفسه في مواجهة عاصفة من النقد والاعتراض لم يشارك بها العامة فقط، ولكن أيضاً بعض رجال الأعمال والمثقفين وحتى بعض أقرانه السياسيين.
النقاشات والاعتراضات هنا لم تناقش في الواقع مضمون ومحتوى ما قاله العناني وألهب به المناخ الداخلي لمدة أسبوع، بقدر ما أظهرت الرفض المطلق للشكل والتوقيت واللهجة حتى بصرف النظر عن المضمون ذاته.
اعترض الجميع وبدون استثناء على فكرة إجراء مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية.
رفض مئات المعلقين، في المقابل، فكرة توجيه رسائل اعتدال عبر وسائل إعلام إسرائيلية حتى وإن كان عنوانها الأعرض يتمثل في نفض الغبار قليلاً عن الوثيقة التي تحمل اسم اتفاقية وادي عربة، التي قال العناني للإسرائيليين إن بلاده ليست بصدد التراجع عنها.
الأهم بالتأكيد هو محاولة الدكتور العناني -وهو في كل حال مفاوض سابق وتقلد عشرات المواقع الرسمية ولديه مداخلات جريئة إلى حد معقول أحياناً وصريحة أحياناً أخرى- توجيه انتقاد وفقاً للمنقول عن حديثه للقناة الإسرائيلية 12 لعملية 7 أكتوبر، حيث وقع العجوز السياسي الخبير هنا في المحظور الشعبي الذي لا يهمه في الواقع كثيراً.
ردة الفعل على ما قاله العناني وعلى الموقع الذي قاله فيه قد تكون أكثر أهمية لأغراض التحليل من المضمون والمحتوى الذي قيل. هنا تبرز الرسالة الأهم، التي يرى السياسي الناشط والمتابع مروان الفاعوري أنها أعادت إنتاج نفسها بعدما قاله العناني تحت عنوان يقول إن 7 أكتوبر بما يحمله من دلالات كان ولا يزال مؤشراً على يوم مجيد في ذاكرة الأردنيين الجماعية، التي تقف -وفقاً للفاعوري وبجرعة تأكيد عميقة مع المقاومة الفلسطينية وأهل قطاع غزة- في مواجهة الإبادة والمذبحة بصرف النظر عن اجتهادات السياسيين القدماء أو الجدد.
لاحظ الجميع في المقابل أن أحداً من ممثلي الدولة الأردنية أو حتى من مجايلي العناني لم يظهر على وسائل الإعلام لدعمه أو إسناده بأي صيغة، الأمر الذي يكشف مجدداً عن حجم ومنسوب ومستوى تراجع حضور كل عملية السلام ورموزها وثقافتها في الوجدان العام للأردنيين. تصرفات إسرائيل في غزة وفي القدس والضفة الغربية لا تخدم لا السلام في الماضي كما كان، ولا السلام في المستقبل.
والعناني يعلم مسبقاً في طبيعة الحال، أنه سيثير الجدل وقد سبق له أن نشر بعض المقالات المثيرة للنقاش في سياق محاولته للكتابة والتعليق خارج النص والسرد الشعبوي، انطلاقاً من فهمه لموازين القوى الدولية والإقليمية.
ثمة من وجه عبارات قاسية وخشنة بحق شخصية سياسية خبيرة تحدثت للإعلام الإسرائيلي بتلك اللغة التي تعكس في الواقع الموضوعي لهجة نخب وأدوات الدولة والموقف الرسمي.
تلك كانت مجازفة من شخصية خارج الوظيفة الرسمية في توقيت حساس تستمر فيه المذبحة الإسرائيلية ضد أهل غزة.
لا يوجد ما يوحي بأن العناني يهتم بالرأي العام، أو حتى بالحصول على امتيازات ذات بعد شخصي في مرحلة متأخرة من حياته السياسية والوظيفية.
لكن وسط الساسة الأردنيين وجهة نظر تقول إن تسليط الأضواء على تمسك الأردن الرسمي بعملية السلام وتجنب المساس بمصالح البلاد، لهجة تخدم مع المجتمع الدولي ومع الأصدقاء الأوروبيين تحديداً، وتعبر بصيغة غير مباشرة عن نمطية مستحدثة في الضغط غير المباشر على الإسرائيليين.
ما يراه اليوم فاعوري وآخرون هو أن هذه النمطيات المستحدثة تعكس الضعف والعجز الأردني الرسمي والعربي، وتظهر الموقع الحقيقي الذي تحظى به عملية السلام برمتها في ظل الجريمة الإسرائيلية المتواصلة، حيث لا مكان للفكرة ولا لمضمونها هنا، وحيث سقطت أخلاقياً في مقايسات الشعب الأردني جزئية المجتمع الدولي والشركاء في العالم، فيما أصبح الدفاع عن عملية سلام لم تعد لا موجودة ولا قائمة، مدعاة لجلب وجذب النقد وأحياناً التجريح.
لم يشرح العناني للجمهور لماذا قال ما قاله بخصوص عملية 7 أكتوبر. ولم يشرح هدفه من التواصل مع وسائل إعلام إسرائيلية، وكيف يخدم ذلك التواصل مصالح الأردن.
رغم ذلك، برزت ردة الفعل الغليظة الخشنة التي تقول ضمناً ما ترفض السلطات حتى اللحظة الإقرار به تحت عنوان سقوط جدوى وإنتاجية السلام والتطبيع من قاموس الأردنيين شعبياً، فيما تقول الرسالة هنا ما هو أهم عن رفض بعض النخب البيروقراطية العريقة التسليم بذلك السقوط واعتباره الواقع الجديد.
يرفض بعض رموز الحرس القديم التسليم بمستجدات الاتجاه الجماعي للشعب الأردني؛ لأن ذلك سينتهي عملياً بتغيير الكثير من الإعدادات والمعطيات، وسيقود إلى تلك الخلاصة التي طالما رددها سياسي وبرلماني مخضرم أيضاً هو الدكتور ممدوح العبادي، على مسامع «القدس العربي» وهو يتحدث عن حتمية المواجهة المقبلة بين الأردنيين دولة وشعباً، واليمين الإسرائيلي.
قبل يومين فقط، أعاد العبادي التذكير بأن المعركة والمواجهة حتمية، ونكرانها غير مفيد، لا بل غير منتج؛ لذلك تصبح المعادلة التي تحرش بها العناني وانتهت بتحرش الرأي العام به حمالة أوجه.
ومن يقول بأن عملية السلام وجدواها خرجت من ذهن الأردنيين الجماعي فعليه الانتباه؛ لأن تجاوز ذلك يتطلب مغادرة المنطقة التي أصبحت فيها عملية السلام مع إسرائيل بمثابة عقيدة بيروقراطية وإدارية مستقرة من عام 1994.
لكن في المقابل، من لا يريدون لأسباب متنوعة مغادرة ذلك الإطار العقائدي الذي لا معنى له اليوم، فواجبهم الموضوعي هو الانتباه؛ لأن رسالة الود والمحبة والسلام التي وجهها العناني عبر قناة إسرائيلية تلفزيونية قابلها بعد 4 أيام فقط الوزير المتطرف إيتمار بن غفير باقتحامه الجديد لمقدسات القدس، وفي النتيجة لهيكلة ومنظومة الوصاية الأردنية.
العناني ذاته كان قد قال يوماً بأن «القدس» بين 3 خطوط حمراء قد تنتهي باشتباك عسكري مع إسرائيل… ليصبح السؤال: كيف رد بن غفير على الطرح الذي يقترحه العناني وغيره؟