كيف غيّر 7 أكتوبر الحالة الأردنية؟: المعارضة تطالب بـ«تصنيع عسكري» والموالاة «ضد التطبيع»
عمان – «القدس العربي»: يلتقط المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الشيخ مراد عضايلة، مجددا مساء السبت، ما هو أكثر من جوهري في “التبديل والتغيير الاستثنائي” الذي شهدته الساحة المحلية بمناسبة الذكرى الأولى لعملية 7 أكتوبر.
العضايلة خاطب مرة أخرى المؤسسة العسكرية مباشرة، مطالباً بتفعيل وتأسيس وتطوير “التصنيع العسكري” وعودة خدمة العلم والجيش الشعبي، والأهم يكرر التحية للقوات المسلحة على تجربة إطلاق صواريخ بعيدة المدى.
ذلك مشهد نادر بكل المقاييس الأردنية التي يألفها الشارع السياسي منذ عام 1994 إثر توقيع اتفاقية وادي عربة.
الأهم أن التيار الإسلامي المعارض الذي ألحقت اتفاقية وادي عربة ضرراً بالغاً في علاقته بالدولة الأردنية طوال 30 عاماً، لا يجد من يرد عليه سلباً أو حتى يناقشه باسم المؤسسات السيادية في البلاد، باستثناء مجموعة محدودة من كتاب التدخل السريع، تصر على المطالبة بتجنب “إحراج الأردن”، لكنها لا تضع وصفات بديلة عن تلك التي يقترحها الإخوان المسلمون للحفاظ على الوطن ومصالحه إزاء هجمة متوقعة، لا بل وشيكة من اليمين الاسرائيلي وأطماعه.
المقاربة هنا تبدو تنشيطية للذاكرة السياسية؛ فموقف الحركة الإسلامية الأردنية من اتفاقية السلام فقد أقصاها وأبعدها طوال 3 عقود، وموقفها اليوم بعد 7 أكتوبر، والتي على أكتافها قفز بها إلى سدة “الأغلبية” في برلمان عام 2024 بعد انتخابات، أثارت الجدل ونظمت بقرار مرجعي عميق بعنوان عدم التدخل وتحييد الهندسة.
هل يعني هذا التحول في الواقع وخطاب الإسلاميين شيئاً محدداً؟
سؤال حمّال أوجه، وستجيب عليه الأسابيع القليلة المقبلة؛ لأن الوقائع – برأي السياسي مروان الفاعوري – تقول إن عين المواطن الأردني تواقة بعد الانتخابات للخطوات التالية في الإصلاح والتمتين، وفي صدقية التحول نحو ثقافة التصدي والمجابهة والممانعة في مواجهة عدو يتربص.
في الأثناء، قبل أقل من 3 سنوات، يخطب القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي، ضد وجود القواعد العسكرية الأمريكية في البلاد. وعندما زار “القدس العربي” قبل أيام قليلة، جدد مخاوفه من تداعيات ونتائج التحالف مع الغطاء الأمريكي الذي يمول ويغذي وأحياناً يوجه العدو الإسرائيلي.
قبل 7 أكتوبر، كان الحديث في عمان عن قواعد اللعبة مع الأمريكيين مجازفة ومغالاة ومزاودة. لكن بعد ذلك اليوم، شاهد الأردنيون ولأول مرة قادة جماعة الإخوان المسلمين وهم يقترحون مباشرة توسيع وتطوير “التصنيع العسكري” وطنياً، بمعنى الاستعداد لمرحلة التخلي عن العلاقة العسكرية مع الولايات المتحدة. والشيخ العضايلة وهو ينصح بالأمر وسط جمهور الزرقاء المكتظة بالسكان، كان يلمح مباشرة لما قاله المرشح الرئاسي دونالد ترامب عن “توسيع إسرائيل”، فيما نائب المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس رصده الأردنيون أيضاً قبل يومين وهو يتحدث عن الجغرافيا الضيقة التي تعيش فيها إسرائيل.
عملياً، يلاحظ الفاعوري وهو يناقش مع “القدس العربي” أنه لولا يوم 7 أكتوبر المجيد لما اكتشف الأردنيون ومؤسساتهم “الخدعة الإسرائيلية والأمريكية” حيث لا أحد إطلاقاً من الذين أمطروا الشعب منذ عام 1994 بكلمات السلام المعسول والانتعاش الاقتصادي، يتجرأ الآن على ظهور إعلامي يمتدح فيه -ولو بالترميز- العلاقات مع إسرائيل والسلام معها.
في مقايسات الفاعوري وغيره من الساسة المشتبكين في عمان، عادت إسرائيل لتكون “عدو” الأردنيين.
لذلك، يتحدث العضايلة عن عودة خدمة العلم العسكرية والجيش الشعبي، ثم التوسع بالتصنيع العسكري، منسجماً فيما يبدو حتى مع دعوة مماثلة تبناها حزب الميثاق الوسطي، خصم التيار الإسلامي الأبرز حزبياً وبرلمانياً.
“نعم، تلك مؤشرات على أن كل شيء يتغير” في الأردن؛ لأن 7 أكتوبر -برأي الفاعوري والعضايلة وغيرهما- كشف الوقائع وأزال كل الأوهام وفكك تلك القشرة البائسة في المشهد الوطني الأردني التي تدعى العلاقة مع إسرائيل.
ما الذي حصل ويحصل حتى تدعو المعارضة الأساسية في الأردن للتصنيع العسكري وتطويره؟
حصل الكثير برأي المراقبين، بدلالة أن وزير البلاط الأسبق وأول من تلامس مع عملية السلام بحكم موقعه الدبلوماسي الدكتور مروان المعشر، ظهر على شاشة تلفزيون “رؤيا” أمس الأول في موقع قريب جداً من “تشخيص” الشيخ العضايلة عندما قال إن على الأردن قيادة عملية “وقف التطبيع” بين إسرائيل والدول العربية لاحتواء المزيد من العدوان.
موقف المعشر أيضاً في الدعوة إلى عدم تصغير الأكتاف أردنياً هي نقطة تحول بارزة عندما يتعلق الأمر بطبقة رجال الدولة الذين رصدوا بعد 7 أكتوبر مستوى التحول الإسرائيلي والتهديد ضد مملكتهم.
القائمة لا تقف عند حدود نخبة من رؤساء الوزارات مثل علي أبو الراغب وأحمد عبيدات وعبد الكريم الكباريتي، بل تتجاوز باتجاه عدد لا يستهان به من الجنرالات المتقاعدين الذين يطالبون اليوم مؤسسات بلادهم بالتعبئة، على أساس أن المواجهة قادمة وحتمية مع مشاريع وأطماع اليمين الإسرائيلي.
ولا يقتصر الأمر على تحولات الليبراليين والمحافظين والإسلاميين فقط في المجتمع الأردني، فعملية الشهيد ماهر الجازي سائق الشاحنة في معبر الكرامة، أثبتت أن عملية 7 أكتوبر بدلت وغيرت في بنية العشائر الأردنية البارزة أيضاً، التي قالت كلمتها في عدم وجود إلا فهم واحد وسط الأردنيين تجاه العدو وتحرير فلسطين.
صحيح أن سلطات بلدية في 3 محافظات أزالت يافطة مطاعم ومحلات سميت بـ “7 أكتوبر”، لكن صحيح -بالمقابل- أن مثلث القسام العسكري الشهير تحول إلى يافطة انتخابية قادت إلى نجاح العديد من ممثلي التيار الإسلامي، وأن 7 أكتوبر استوطن في قلوب الأردنيين وتحول إلى “مشروع تحرير”، على حد تعبير الشيخ العضايلة.