لماذا زار الصفدي دمشق؟ ساعات قبل محطة لندن: شمال قطاع غزة و«التأثير العربي» معاً «خارج الخدمة»
عمان- «القدس العربي»: واحدة من إشكالات الأردن الأساسية مع جولات وصولات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أنه “فقد مصداقيته” حتى في الدوائر الرسمية والنخبوية، ولم يعد يمثل النظام الرسمي الحليف والصديق “جبهة آمنة” وإدارة قوية يمكن أن تعني ما تقول أو تستطيع تنفيذ ما تلتزم به، خصوصاً مع الأصدقاء العرب.
يصف سياسي أردني خبير ورفيع المستوى مثل الدكتور جواد العناني، ضعف الإدارة الأمريكية الحالية بأنها “تتطور على شكل عبء حقيقي” على الدول المعتدلة مثل الأردن.
وهو يلاحظ مع آخرين أن جولات بلينكن في المنطقة أصبحت مرافقة لعدم وجود “خطة يمكن البناء عليها”.
ساعي البريد الأمريكي بلقب ووظيفة “وزير”، يقف عند حدود نقل ما يسمعه من الزعماء العرب إلى حكومة اليمين الإسرائيلي، بل بدأ نشطاء بارزون يشكون فعلاً بأن الوزير بلينكن لم يعد مرحباً به بعدة عواصم عربية في الواقع؛ لأنه “يخفي معلومات” عن إدارته ورئيسه، ويعمل أكثر مع الإسرائيليين.
في كل حال، ليس ذلك بالتأكيد هو السبب المرجح الذي دفع بلينكن للتراجع عن زيارة كان سيقوم بها لعمان، حيث أسباب “برامجية وتوقيتية”، حسب مصادر رسمية محلية.
لكن بلينكن في كل حال يظهر “خالي الوفاض”، وثمة سفير عربي مخضرم “القدس العربي” بأن كل زيارة لبلينكن يتم خلالها عرض مقترحات خطة محددة ويطالب بدعم 6 دول عربية لها على الأقل، وبمجرد سفره لا يتحدث ولا أي من فريقه عن الخطة نفسها، ودوماً ترفضها إسرائيل.
يوصف بلينكن حتى في عواصم عربية يتردد عليها، مثل الدوحة والقاهرة، بأنه “يفتقر للجدية”. ويقدر الخبير الأردني ووزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر، بأن الوزير الأمريكي “يجهل الكثير” عن واقع المنطقة والقضية الفلسطينية.
في المقابل، الخبرة التي يشكلها في طاقم الرئيس جو بايدن رئيس جهاز الاستخبارات وليام بيرنز، بدت متميزة في المفاوضات من أجل صفقة مع القطريين والمصريين، لكنها لم تعد كافية حتى تغادر فرقة بايدن حسابات الانتخابات المعقدة في الملف الإسرائيلي.
بين بيرنز وبلينكن ضاعت الكثير من الفرص حتى على الدول العربية المعتدلة التي تحاول إغلاق عيونها عن الإبادة والمجازر، أو تظهر بأنها عاجزة وقليلة حيلة.
وفي لقاء متخصص في دوائر القرار الأردنية تم ذكر “الدول الأوروبية” مرتين ضمن مسار بوصلة الحراك الأردني لتغيير وتصويب ما تيسر من الأوضاع في فلسطين المحتلة ولبنان، ولاحظ الجميع مرجعياً أن الإشارات تصدر بدون ذكر للإدارة الأمريكية ودورها، الأمر الذي يوحي بحالة أقرب إلى “فقدان الأمل”.
فقط في عمان يبدو الاشتباك على مدار الساعة والدقيقة، لكنه مقتصر على الجبهة الدبلوماسية والسياسية مع تركيز شديد على آثار العدوان والإغاثة في لبنان وغزة.
قبل 3 أيام، عاد للتو من زيارة مهمة إلى دمشق وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أدت إلى تنشيط ذاكرة الجميع بزيارة مماثلة قام بها إلى طهران تحت عنوان تحذيرها من “الوقوع في فخ نتنياهو”.
مساء الثلاثاء، غادر الصفدي إلى باريس لحضور اجتماع مهم حول، حيث قرار أردني واضح بعدم الغياب عن الطاولة وليس الغرفة فقط، عندما يتعلق الأمر بلبنان؛ لأن الحسابات الاستراتيجية الأردنية تستند إلى أن لبنان وسوريا هما بوابة الفرصة الأخيرة لمنع “الحرب الإقليمية المفتوحة”.
بعد باريس، يترأس الصفدي اجتماعات برشلونة بعنوان “من أجل المتوسط” بحضور رموز الاتحاد الأوروبي، ثم يعقد “اللقاء الذي تأجل في عمان” مع الوزير بلينكن في لندن.
ذلك الترتيب لنشاطات الدبلوماسية الأردنية يبدأ من الأهم، حيث البقاء في مسافة قريبة جداً من النظام السوري بهدف “الاطلاع ونقل الخبرة” ثم الجلوس على طاولة أي حديث دولي عن “لبنان”، ثم التركيز على رسالة أردنية وحيدة ومكثفة في لقاء لندن مع بلينكن، وتلك التي تقول “أوقفوا سيناريو تفريغ شمالي غزة الآن”.
الأردن لديه تقديرات بخصوص نوايا اليمين الإسرائيلي لتوسيع الصراع العسكري في الساحة السورية. وما سجله في تقرير تقييمي لزيارة الصفدي لدمشق معهد السياسة والمجتمع، هو أن الزيارة قد يكون هدفها التشاور بعد مؤشرات حصول “معارك عسكرية” بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية، الأمر الذي يؤشر على مصالح الأردن.
مصدر أردني -في المقابل- تحدث لـ “القدس العربي” عن قرار بضغط شديد على الإدارة الأمريكية وموقف سيسمعه بلينكن بالخصوص الجمعة في لندن، ومضمونه “الإنهاء الفوري” لما يسمى بـ “خطة الجنرالات” في شمالي قطاع غزة، قبل تفاقم الأمور إنسانياً والسماح “الفوري” أيضاً بإدخال المساعدات وبكميات كبيرة.
رغم جدية الطرح الأردني هنا، يلاحظ المخضرمون بأن ما يتحدث عنه بلينكن هو تكرار نغمة عدم موافقة إدارته على “إعادة احتلال أي جزء من قطاع غزة”، وتلك ليست الأسطوانة التي يريد الأردن أن يسمعها كبديل عن التصرف الفوري السريع لإنهاء عمليات القتل والتهجير والاعتقال الموسعة في شمالي قطاع غزة.
الفكرة التي يحاول الصحافي النشط في قطاع غزة أنس الشريف، وهو من القلائل الذين لا يزالون على قيد الحياة في القطاع، الإبلاغ عنها ظهر الأربعاء وقبل يومين من لقاء مفترض بين بلينكن ومسؤولين عرب، هي أن “شمالي القطاع بات خارج الخدمة تماماً”؛ والمعنى أن أهالي شمالي القطاع قد لا يملكون الساعات الباقية حتى التفاوض مع بلينكن ظهر الجمعة، ما يجعل مع عبور الزمن وتواطؤ بلينكن وطاقمه مع الجهد الأردني والعربي أيضاً، رغم نبله، خارج السكة- مثل شمالي القطاع.