مؤشرات الاحتكاك بين الأردن وتل أبيب «تزيد بسرعة»: مياه وغاز وأشياء أخرى
المؤسسة العميقة في عمان تقر برنامجا للمواجهة والاشتباك يستند على أوراق القوة والتوازن المتاحة وعلى رأسها ضرب الاعتماد في مفهوم الطاقة على الإسرائيليين.
عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن في عمان أو من الصعب سياسيا الآن استبعاد الانطباع بأن التلويح المرجعي بزيارة طهران وبناء المزيد من الجسور معها أو باستقبال رئيسها مسعود بزكشيان في عمان هو أكثر من رسالة سياسية وفي توقيت حرج لجهات متعددة يهمها الأمر تقول ضمنا للأمريكيين قبل اليمين الإسرائيلي «لا تحشروا الأردن أكثر في الزاوية الضيقة».
بوضوح ترافق التلميح سالف الذكر مع مستجدين في غاية الأهمية يؤشران على تحول ليس بسيطا في مؤشرات الاحتكاك بين عمان وحكومة تل أبيب الحالية على الأقل.
وهما أولا القرار الإستراتيجي المهم الذي اتخذه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في قوننة الخطوة الأولى لمشروع الناقل الوطني الضخم للمياه.
وثانيا القرار الذي اتخذ وأعلن وأبلغ به الأمريكيون بعنوان «المملكة تتجه نحو المحاكم الدولية» لتدويل وشرعنة اتفاقية الـ«ستاتس – كو» المختصة بالرعاية الأردنية للمقدسات في القدس المحتلة. وهي اتفاقية في الواقع استندت على عدم شرعية سلطات الاحتلال في القدس الشرقية وعلى مذكرة قانونية موقعة مع الإسرائيليين وعلى تفويض من الشرعية الفلسطينية معا.
الأردن وفي سياق سيمفونية هرمونية جديدة يتجه نحو التصعيد في وجه اليمين الإسرائيلي بالتزامن عبر 3 علامات فارقة تبدأ من فكرة إستراتيجية مائية تستغني مستقبلا إذا ما أنجزت عن سيناريو سبق أن تحدث به مع «القدس العربي» الخبير الدكتور دريد محاسنة وفكرته «صنبور المياه عند الجار الإسرائيلي السيء أو الغدار».
في الأثناء خطوة في المحاكم الدولية تشرعن الوصاية وتنقلها إلى وثيقة دولية الطابع وليس مجرد بروتوكول ملحق باتفاقية وادي عربة، وفي الأثناء المزيد من إجراءات عزل المشهد السياسي الأردني برمته عن ما يسميه المعارضون للتطبيع وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات بانقلاب إسرائيلي على مصالح الأردن الحيوية.
تم التمهيد لهذه الحزمة من الإجراءات المهمة بخطاب ملكي علني فكرته أن الأردن لن يسمح ولن يقبل بأن يرهن أمن واستقرار المنطقة بسياسات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب وأن الأردن أيضا لن يسمح بأن تصبح مصالحه الأساسية خصوصا في القدس والضفة الغربية رهنا بتلك الحكومة بالمقابل.
معنى الكلام برمته أن المؤسسة العميقة في عمان لا تقف عند حدود تغيير لهجة إنكار المخاطر بل تقر برنامجا للمواجهة والاشتباك يستند على أوراق القوة والتوازن المتاحة وعلى رأسها ضرب أولا مفهوم الاعتماد في مفهوم الطاقة على الإسرائيليين وإصلاح بعض الأخطاء هنا بواسطة مشروع الناقل الوطني للمياه ثم معالجة أزمة نقص الغاز المحتملة لاحقا. وثانيا ثقل الأردن الدولي رغم انه قد لا يكون منتجا حقيقيا في مواجهة إسرائيل الجديدة وعالم اليوم الغربي الذي يوفر غطاء للإبادة في غزة.
قرار الأردن باللجوء إلى المحاكم الدولية في القدس يحاول التقاط ما هو جوهري في لحظة وسم فيها كل المعنيون ببقايا القانون الدولي في العالم الكيان الإسرائيلي بجريمة الإبادة ومخالفة كل الأعراف والقوانين.
لكن في ذهن غرفة القرار الأردنية أيضا تفسير عميق لتحذير الإيرانيين من فخ بنيامين نتنياهو، فالأخير يريد حربا إقليمية واسعة ولا يريد وقف إطلاق النار على أهل غزة، لأنه يعلم مسبقا بأن الكاميرات ستتجول في اليوم التالي لوقف إطلاق النار لتكشف للمجتمع الدولي حقائق ووقائع الجرائم الهمجية التي ارتكبت وسط الانطباع بأن المجتمع الدولي عموما في لحظة بدأ فيها يشعر في ثقل جرائم اليمين الإسرائيلي ويرتبك بسبب غياب مبدأ المساءلة.
طبعا قد تحتك الإستراتيجية الأردنية هنا بالجدار الصلب الذي يوفره ضعف إدارة الرئيس جو بايدن لخط اليمين الإسرائيلي ونتنياهو.
وطبعا يظهر الأردن قدرا من المرونة في تقبل فكرة كلفة هجمته في التخشين الدبلوماسي ضد نتنياهو عند الأمريكيين مراهنا على أن يمين إسرائيل أصبح كما قال لـ«القدس العربي» الناشط الأمريكي الفلسطيني البارز الدكتور سنان شقديح، عبئا كبيرا ليس فقط على الديمقراطيين الأمريكيين وقبل الانتخابات الرئاسية، ولكن على معسكر الاعتدال العربي الصديق على الأمريكيين عموما.
ما يقترحه شقديح على حكومة الأردن الانقضاض سياسيا ودبلوماسيا في عمق المؤسسات الأمريكية ليس للرد فقط على اليمين الإسرائيلي المجرم ولكن لتحصيل مكاسب للأردن أكبر لأن الفرصة متاحة الآن.
ما رصد مؤخرا هو أن بعض الأردنيين يفكرون بكلفة وجود وبقاء واستمرار القواعد العسكرية الأمريكية في بلادهم إذا ما تمكن اليمين الإسرائيلي من الاستمرار في التحكم بمعادلة الإدارة الأمريكية قبل وبعد الانتخابات الرئاسية وبصرف النظر عن من سيفوز من مرشحي الحزبين.
طرح الناشط النقابي الأردني أحمد أبو غنيمة سؤالا ملتهبا في هذا السياق ربط فيه بين سيناريوهات أمريكية لتوسيع إسرائيل ونظريات أطماع اليمين الإسرائيلي وبين الموقف الذي ستتخذه في هذه الحالة القواعد العسكرية الأمريكية آنذاك.
ورغم عدم وجود لا أدلة ولا قرائن على انحراف في أجندة الاتفاقية الدفاعية مع الأردن حتى اللحظة إلا أن طرح سيناريوهات متعددة أعاد التذكير باختبار مهم لما وصفه يوما لـ«القدس العربي» الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور أنور الخفش حول دور القواعد العسكرية الأمريكية في حماية الأردن من طموحات اليمين الإسرائيلي وليس العكس.