مجدداً: لماذا يغيب الأردن عن «غرفة عمليات غزة» و«الوساطة» و«فصائل المقاومة»؟

عمان ـ «القدس العربي»: ردود الفعل وسط النخبة الأردنية على نجاح تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار ورؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمكن تلمسها بانفعال وتحفز يومي الخميس والجمعة قبل نهاية الأسبوع على درب وضع «تصور ما» يمكن أن يجيب عن سؤال مركزي: لماذا تنضج كل تلك العملية دون وجود الأردن على الطاولة أو في الغرفة الرئيسية؟
سؤال يجدده كثيرون وقد ينطوي على بعض «التضليل» قياساً بـ«الدور الفاعل» الذي لعبه الأردن في «وقف الحرب» على صعيد «توحيد موقف الزعماء العرب» خلال اجتماعات نيويورك ومقابلات الرئيس الأمريكي.
وقياساً بالدور الأردني المتقدم الذي رضي مبكراً ولأسباب يمكن استنتاج بعضها الابتعاد عن محور «الوساطة والتفاوض» في ملف «غزة» والتركيز على «لوجستيات الإغاثة» والوضع الإنساني.
السؤال ورغم مساحة التضليل اللعوب فيه يبقى صامداً وسط زحمة الأسئلة التي تحجبها عملياً مصالح الأردنيين الأساسية وقناعاتهم بمؤسساتهم بسبب «ظروف وبيئة الاضطراب إقليمياً ودولياً»، وهو ما أشار له مؤخراً الجنرال المتقاعد محمد البدارين وغيره من كبار المتابعين والمعلقين.
هنا وبمجرد إعلان «سريان المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار»، دخلت نخبة عمان العاصمة السياسية في رسم حالة القلق والمتابعة، لا بل طرح المزيد من الأسئلة والالتقاطات بعنوان: «لماذا نغيب عن الحدث المباشر؟».
«تبسيط» الإجابة ممكن عند الإشارة إلى أن الغياب الأردني الرسمي عن غرفة التفاوض الأمريكي – العربي التي أدارت ملف غزة ناتج أساسي لقرار سيادي مبكر اتخذ منذ أكثر 30 عاماً باسم «التعاطي فقط مع الشرعية الفلسطينية، وعنوانها سلطة رام ألله».
لا أحد إطلاقاً في دوائر النقاش السياسي يدرك خلفيات وفوائد تلك السياسة المبكرة التي قررت الانعزال تماماً ولأسباب داخلية قد ترتبط بملف المكونات أو التيار الإسلامي عن كل ما هو «معارض أو مقاوم» فلسطينياً لصالح الانحياز وباستثمار «طويل الأمد» يخلو من «نتائج مثمرة» فقط وحصراً لـ«مجموعة السلطة الفلسطينية» حتى ليس بمعناها «الفتحاوي».
طبيعي هنا أن يشعر عموم الأردنيين بالقلق أو الانزعاج لأن عمان لم تجلس مع بقية العواصم التي أدارت «غرفة عمليات رؤية ترامب بشأن غزة» مع أن المؤسسة الرسمية «مقتنعة تماماً» بأن ما سيجري في غزة يتوجب أن يتشبك لاحقاً في إعادة إحياء عملية السلام وصولاً إلى حسم خيار الدولتين. الرأي الأخير ردده 3 مرات الأسبوع الماضي وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي.
لكن، وفي رأي الناشط السياسي محمد خلف الحديد وكما أفاد في نقاش مع «القدس العربي»، كثرة «التحدث بالسياسة» لا تغني عن «ممارستها». طبعاً يريد الأردنيون شعبوياً في الكثير من المحطات أن تتعامل حكومتهم مع «أهم فصائل المقاومة الفلسطينية» ويريدون أن تكون بلادهم طرفاً في «الوساطة والاشتباك».
لكن الدولة ومنذ عامين بعد طوفان الأقصى كانت لها حسابات مختلفة في التفاعل والاشتباك عنوانها الأعرض تجنب «احتضان أي فصيل مقاوم»، ثم تجنب كلفة التفاعل مع تلك الفصائل، والبقاء في منطقة «الشرعية- السلطة- رام الله». فيما النتيجة كانت واضحة وصادمة، حسب الحديد، وهي أن عمان، المهمة جداً للقضية الفلسطينية والتي تتأثر فيها وتجاورها بالتفصيلات، ليست «طرفاً فيما يجري»، والخشية أن حكومتها «فرطت بمقعدها التفاوضي» الضامن للمصالح.
الأكثر إلحاحاً في قراءات مجالس السياسة النخبوية في عمان حالياً هو تلك الإشارة إلى «المفارقة الأغرب» المتمثلة في أن «انقلاب اليمين الإسرائيلي» على المملكة وخططه العلنية لا بل الإجرائية ضد الأردن.
ثم نمو الشعور الرسمي بـ«المخاطر» عناصر في المشهد لم تؤدِ إلى «أي تعديل «في سياسة» البقاء فقط خلف السلطة وأوسلو والابتعاد عن حماس والمقاومة» رغم أن أسماء كبيرة من بينها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات سمعتها «القدس العربي» تردد: «مصالح الأردن النهائية والأساسية الاقتراب من المقاومة».
تلك برأي المستشار القانوني الدولي والخبير الدكتور أنيس القاسم دوماً كانت «متاجرة خاسرة» لأن أفضل ما يمكن أن يحصل للشعبين الأردني والفلسطيني هو «زوال أوسلو وأجهزتها» والعودة لخيار الاصطدام والاشتباك وشرعية المقاوم.
في خلاصة التقييم لا تشرح الحكومة الأردنية لا للرأي العام ولا للنخب فلسفتها في سياق ما وصفه يوماً القطب البرلماني البارز خليل عطية بـ«حرمان الشعب الأردني» من مصالح وعوائد التفاعل مع «نصف الشعب الفلسطيني». لذلك طرق تنفيذ الجزء الأول من «رؤية غزة» باب الخزان الأردني مجدداَ بأسئلة قديمة في الواقع.
أحد أبرز الطارقين عبر تغريدة إلكترونية كان الناشط النقابي المسيس أحمد أبو غنيمة الذي قرر: «آن أوان إعادة النظر في الموقف الرسمي من الفصائل الفلسطينية المقاومة». أبو غنيمة لم يقف عند هذا الحد، بل اعتبر الابتعاد الرسمي عن مشهد الحدث الفلسطيني مؤخراً «جريمة بحق الأردن». وهو ما تداوله لاحقاً القيادي في الحركة الإسلامية الشيخ مراد عضايلة، وهو يغرد مستذكراً من وصفهم بالعبارة التالية: «هؤلاء الذين استلموا إعلامنا لعامين لم يستطيعوا تقديم السردية الأردنية». طبعاً الشيخ عضايلة يقصد «مجموعة الكتاب والصحافيين» التي احترفت خلال عامي الطوفان التركيز على «شيطنة المقاومة والإسلاميين» لكن قبل ذلك طبعاً نشر يقول: «رغم ما قدمناه للقضية الفلسطينية طوال 8 عقود.. نقف على المدرجات متفرجين مثل بقية العالم».
واضح على الأقل بالنسبة لنخب الميول الإسلامية ولغيرهم أن الحاجة ملحة لفهم الأسباب التي دفعت بعمان الرسمية بعيداً عن محاور التأثير الأهم في اتفاقية غزة، حيث الخشية لا يمكن إنكارها من سحب «تجاهل البصمة الأردنية» عندما يحين توقيت لمناقشة ملفات في غاية الأهمية مثل الضفة الغربية وحتى القدس.