معادلة الأردن مع ترامب: «العنب بدون مواجهة الناطور»… و3 مليارات أوروبية مع «شراكة استراتيجية»
عمان ـ «القدس العربي»: الاستناد الملموس إلى «لاءات» ملك الأردن الثلاثة الشهيرة لـ «الوطن البديل، والتهجير، وتهويد القدس» أصبح نقطة جذب أساسية في بناء مشهد عام في الأردن، رداً على اقتراحات دونالد ترامب الأخيرة، فيما يلاحظ الراصدون أن الملك عبد الله الثاني شخصياً قاد اجتماعاً مع ممثلي الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الأردن وأوروبا.
ثمة رسالة سياسية هنا أيضاً تقول إن الاتحاد الأوروبي قرر تخصيص مبلغ مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار للأردن في إطار إطلاق حزمة الشراكة الاستراتيجية.
واضح تماماً للجمهور والرأي العام أن الاتحاد الأوروبي يقرر مساعدة الأردن مالياً واقتصادياً في الوقت الذي قرر فيه الرئيس ترامب حجب المساعدات أو شمول الأردن بقراره التنفيذي حجب المساعدات لثلاثة أشهر.
أوروبا تتقدم بالمعنى السياسي هنا لإظهار مسافة تباين مع الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بدور الأردن المفصلي في أمن المنطقة واستقرارها.
سيناريو الاشتباك
يرد الأردن على سيناريوهات تهجير الفلسطينيين إلى المملكة بتدشين جسر جوي عسكري جديد لمساعدة أهالي شمال غزة حصراً بواسطة طائرات مروحية وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي واستثمار الثقل الأوروبي تبرز رسالة الأردن التالية سياسياً في الإصرار على تفعيل وتنشيط لوجستيات الإغاثة.
فكرة الأردن الرسمي حادة وواضحة الملامح هنا، ووزير الخارجية أيمن الصفدي أبلغ «القدس العربي» مبكراً بأن دعم وإسناد صمود الفلسطيني على أرضه خيار استراتيجي للدولة الأردنية وفلسفة سياسية ستتواصل وتستمر، وفقاً لما أبلغه الصفدي أيضاً لأعضاء البرلمان في الأسبوع الماضي.
يعني ذلك أن استراتيجية الأردن في الاشتباك مع سيناريوهات اللجوء غير المنطقية والواقعية التي اقترحها ترامب، تتجه نحو 3 مسارات بالتوازي، عنوانها الاستقواء بالصديق الأوروبي؛ بمعنى تنويع الخيارات والاصطفافات، ثم تأسيس مساحة مشتركة بين الأوروبيين حصراً باعتبارهم أيضاً ضحايا محتملين لفلسفة الرئيس ترامب في إدارة ولايته الثانية المقلقة.
في الأثناء، الاستمرار في الإغاثة خلافاً لتأكيد الصفدي في نقاشه الأعمق مع «القدس العربي» بأن السلطة الفلسطينية ستبقى عنوان الشرعية المعترف به دولياً والمجتمع الدولي الذي يرغب بالاستقرار في المنطقة استناداً إلى وجهة نظر ترامب في حسم الصراعات وإنهاء الحروب، يوجب عليه الفهم بأن السلطة لفلسطينية لم تكن هدفاً بحد ذاتها، بل تعبير عن مرحلة انتقالية وصولاً إلى الهدف الأسمى، وهو الدولة الفلسطينية، الأمر الذي يجب -برأي الوزير الصفدي- الاستمرار في دعم وإسناد الشرعية الفلسطينية بالتوازي مع استراتيجية دعم وإسناد صمود الفلسطيني على أرضه.
في الأثناء أيضاً تواصل مكثف ورسائل لأصدقاء الأردن في نخبة الكونغرس الأمريكي من الديمقراطيين والجمهورين لتخفيف حدة اندفاع مقترحات ترامب بعنوان تهجير فلسطينيين إلى الأردن ومصر. ولم تعلم بعد نتائج محددة لسيناريو الاشتباك الأردني الرسمي مع الكونغرس والصديق الأوروبي، لكن الانطباع قوي بأن أوروبا على الأقل في هذه المرحلة تدرك أهمية منع سيناريو التهجير وانعكاسات أي عملية تهجير قسرية على مجمل مصالح الدول الغربية في الإقليم، ولا يبدو أن لدى أصدقاء الكونغرس سطوة محددة على قرارات وأوامر تنفيذية يصدرها الرئيس ترامب وتؤثر على ملف العلاقات والمساعدات للأردن.
ذلك لا يمنع الأردن من المحاولة مع أعضاء الكونغرس، وبعضهم -برأي المحلل السياسي سنان شقديح- لديه خبرة عميقة وأكيدة بالإقليم والمنطقة غير متاحة ولا موجودة عند الطاقم الذي اختاره الرئيس ترامب مرحلياً وعلى أساس الولاء الشخصي له فقط.
دعوة للتواصل مع الأمريكيين
نصح السياسي طاهر المصري، بتواصل طارئ مع المؤسسة الأمريكية العميقة. والسلطات السياسية الأردنية في طريقها لوزارات عميقة تشمل رجال الكونغرس ووزارة الدفاع البنتاغون تحديداً، قبل أن تظهر ملامح حرص وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، على الالتزام الحرفي بما يمليه عليه رئيسه في البيت الأبيض، حيث وزراء وأصحاب اختصاص -وفقاً للمراقب شقديح- لا يتمتعون بالمهارة ولا الخبرة ولا اللياقة، ورأس مالهم الوحيد قد يكون الولاء الشخصي للرئيس.
عمان بدورها لا تريد الخوض في لعبة مراكز القوى الأمريكية الداخلية ولا في حسابات حمالة أوجه. ومسؤول سياسي رفيع المستوى همس في أذن «القدس العربي» قائلاً: «المطلوب تحصيل العنب وليس مناقشة الناطور».
تلك الهمسة تثبت مجدداً بأن المؤسسة الرسمية الأردنية فيما يبدو قدرت وقررت استراتيجية الاشتباك مع تلك الأفكار والمقترحات التي وصفها المصري بأنها أقرب إلى دعابة أو مزحة في الواقع بخصوص تهجير الفلسطينيين.
وضمن أسس ملامح تلك الاستراتيجية، تجنب شخصنة الخلاف مع الرئيس الأمريكي، ومنع كتاب المقالات المحليين من توجيه ألفاظ أو عبارات قد تغضب طاقمه ضمن معادلة العنب والناطور. وفي الوقت ذاته، الحرص على تجنب مواجهة مباشرة وتبني السردية التي تقول بأن الأردن يطمح بالتعاون مع الرئيس ترامب لإعادة توطين أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري بد التغيير الأخير في دمشق وبعد الضغط الكبير الذي نتج عن اللجوء السوري على الاقتصاد والخزينة في الأردن.
«لا مجال إطلاقاً لاستقبال لاجئين جدد لا أمنياً ولا اقتصادياً».. هذا محور الخطاب السلبي الذي سيقابل ترامب وطاقمه، وهو يختلف مع الصيغة التي اقترحها سابقاً بحضور «القدس العربي» خبير محنك هو الدكتور جواد العناني، عندما نصح بقول «لا» أكيدة وصريحة وغير قابلة للنقاش للأمريكيين وغيرهم في ملفات الثوابت والخطوط الحمر، محذراً من أن طرح ذرائع وأسباب سيفهمه الأمريكيون الجدد باعتباره في سياق الاستعداد لمناقشة التفاصيل.