مفاجأة إسرائيل للأردن: قوات عسكرية تتموقع لحسم «ضم الأغوار» وسفارة أمريكا أصبحت «ثكنة أمنية»
قبل ساعات من إعلان ترامب الجديد والجميع بانتظار «الجمعة المقبلة»
مبكراً، وقبل نحو 48 ساعة من إعلان أمريكي متوقع لما يسمي بصفقة القرن، توجه رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز بما يشبه نداء أو رجاء لأغراض داخلية. هنا حصرياً نصح الرزاز الشعب الأردني بتجنب التأويلات والتكهنات، وطلب باسم الحكومة من الأردنيين عدم المبالغة في تفسير أي إجراءات تتخذها الحكومة بالربط بينها وبين صفقة القرن. بدت نصيحة أقرب إلى اعتذار مسبق من الحكومة تشتكي ضعف الحال وتتعذر قبل حصول أي تحولات في المنطقة.
قبل ذلك، كان الرزاز نفسه قد لفت نظر الأردنيين إلى أن الحكومة مضطرة للاستعداد لأي سيناريوهات يمكن أن تحصل فجأة في المنطقة بما يحافظ على الوضع العام. الكلام الملغز هنا له هدف سياسي وأمني بالتأكيد، فالأردن يريد الاستعداد لكل الاحتمالات في ضوء تمسك قيادته بالموقف المعلن من صفقة القرن والقائم على «كلّا الثلاثية» الشهيرة.
الأهم أن إعلان ترتيبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينبغي أن تعبر بدون حصول خلل أو اضطراب، وبالحد الأدنى، من مظاهر التعبير الشعبي التي يتوقع أن تتفاعل بعد غد الجمعة، وليس بمجرد إعلان الصفقة مساء الثلاثاء كما تردد. ثمة لغة اعتذارية في لهجة الحكومة.
لكن ثمة إجراءات احتياطية في كل الاتجاهات، وليس الأمنية فقط، بل المالية والاقتصادية أيضاً، خصوصاً أن وزير المالية الدكتور محمد العسعس بدأ يبحث بدوره عن ما أسماه بقرض حقيقي، فيما يشير مسؤولون في الطاقم الوزاري الاقتصادي إلى احتياطات ينبغي أن تحافظ على السيولة النقدية دون المساس بواجبات الخزينة والدولة حتى إذا ما اضطربت الأوضاع في الإقليم.
يمكن قراءة رسالة المستوى الأمني الأردني من تفصيلات موازية أيضاً، فقد اتخذ احتياطات أمنية خاصة جداً في محيط السفارة الأمريكية ومقراتها الضخمة في العاصمة عمان، وأبلغت جميع الأطراف بأن السفارة في نطاق حماية الدولة وأجهزتها.
الهدف من الإجراء هنا بقاء الحكومة الأردنية في مستوى الالتزام بالقوانين الدولية، حتى إذا ما قرر الشارع حراكاً من أي نوع ضد السفارة الأمريكية أو حتى السفارة الإسرائيلية في الوقت الذي بدأت فيه القوى المعارضة لصفقة القرن بالاحتشاد والاستعداد لما يمكن أن يشهده الشارع من مسيرات بعد صلاة الجمعة أو حتى قبلها بساعات.
بكل حال، الاستعداد اللوجستي الأمني والترتيبات الحكومية البيروقراطية مؤشر على أن الأردن ليس بصدد مقاومة صفقة القرن، وإن كان سيحتفظ بموقفه الرافض لها شكلاً ومضموناً، لكن القرار المستنتج من الإجراءات والاحتياطات يؤشر على أن عمان لا تريد لهذه الصفقة، بصرف النظر عن نتائجها ومضمونها، أن تؤسس لحالة اضطراب في الشارع الأردني.
يغيب الأردن كما تغيب السلطة الفلسطينية عن مظهر الاحتفال الرئاسي الأمريكي بإعلان ما يسمى بصفقة القرن، وتحضر إسرائيل فقط.
ذلك مؤشر قوي على قرار أمريكي يبعد عمان ورام الله عن المشهد والطاولة، في الوقت الذي يترقب فيه الشعب الأردني ومعه الفلسطيني بشغف، تفاصيل الصفقة المزعومة.
حصل ذلك وسط مفاجأة عند الأوساط الأردنية من صعوبة فهم الترتيبات العسكرية الإسرائيلية الحدودية صباح أمس الثلاثاء، والتي كانت مباغتة، وقوامها تحريك ست كتائب عسكرية ولواء مشاة إضافي يتضمن كتيبة استطلاع تابعة لقوات جولاني. بالمواصفات الفنية، لم تشهد الحدود بين الأردن ودولة الاحتلال أي اختراقات أو أحداث تتطلب حشد ست كتائب عسكرية مقاتلة بتجهيزات كاملة.
ومع غياب أي مؤشر على صراع عسكري محتمل، فهمت المؤسسة الأردنية بأن هذه الترتيبات العسكرية المباغتة في منطقة الأغوار تحديداً مرتبطة بالضوء الأخضر الأمريكي الذي منح لليمين الإسرائيلي تحت عنوان ضم الأغوار وشمالي البحر الميت. تلك خطوة استفزازية جداً تمس بمصالح الأردن.
لكن السلطات تعاملت معها أيضاً بحذر، وإن كان تفسيرها السياسي واضحاً، وهو تكريس وتثبيت ضم منطقة الأغوار للكيان على أساس الأمر الواقع، الأمر الذي يتطلب معركة دبلوماسية وسياسية جديدة على كاهل المؤسسة الأردنية. الرسالة واضحة سياسياً في السياق، فإسرائيل اتخذت الترتيب العسكري على الأرض بصورة تناكف المصالح الأردنية، ووضعت قوات إضافية غير متفق عليها غربي نهر الأردن ووادي منطقة الأغوار.
إلى ذلك، لا تسعى السلطات الأردنية إلى تمكين اليمين الإسرائيلي من استفزاز عمان، لكن الحكومة امتنعت عن التعليق على مسار الحدث ببعده العسكري على الأقل في الوقت الذي بدأت فيه الأحزاب السياسية والقوى النقابية بعقد اجتماعات طارئة جداً تحت عنوان الدفاع عن الوطن الأردني في وجه صفقة أمريكية مشؤومة، كما وصفها رئيس مجلس النقباء الدكتور علي العبوس.