اراء و مقالات

مفهوم جديد لـ «الأردن أولاً»: عودة قوية لخطاب «مقاومة التطبيع» والاستعداد لمشروع «إسرائيل الكبرى»

عمان- «القدس العربي»: انقلب تماماً خلال اليومين الماضيين المزاج الشعبي والسياسي الأردني الحاد جداً ضد إسرائيل وعملية السلام بعد تصريحات استفزازية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحدث فيها عن مشروع إسرائيل الكبرى وشغفه وحلمه بهذا المشروع في إطار ما يرى نتنياهو أنه مهمة روحانية دينية وتاريخية.
ودخل الأردنيون تماماً في مزاج حاد وهم يتعاملون مع هذه التصريحات بعدما استنكرتها وأدانتها وزارة الخارجية، في الوقت الذي وصف فيه الناطق باسم الحكومة الوزير محمد المومني تصريحات نتنياهو بأنها عبارة عن هرطقات ستتحطم على صخرة الأردنيين.
وعلى نحو مفاجئ، استعار الأردنيون أدبيات المقاومة بكل تفاصيلها، وتوعدوا نتنياهو والكيان الإسرائيلي بأن يرى أضعاف ما شاهده في قطاع غزة من مقاومة إذا حاول الاعتداء على الأردن، في الوقت الذي دخلت فيه المؤسسة الرسمية الأردنية في حالة ارتجال وصبر استراتيجي وتكتيكات غير واضحة وغامضة بعد تلك التصريحات، التي توحي بأن قادة تل أبيب يخططون للتوسع شرقاً نحو الأراضي الأردنية، لا بل للتهجير أيضاً وفقاً لاعتبارات وتقييمات المستشار القانوني الدولي البارز الدكتور أنيس القاسم، الذي أعاد التذكير بدوره بأن ضم الضفة الغربية والأغوار وتحريك السكان قسراً باتجاه الأردن هي مخالفة مباشرة للبند السادس من اتفاقية وادي عربة، وتعتبر بمثابة إعلان حرب على الأردن يستوجب الرد بالمعنى العسكري، والرد هنا -وفقاً للقاسم- سيكون منسجماً مع الشرعية الدولية في حال حصول هذا النمط من إعلان الحرب الإسرائيلية.
وتوالت عملية صدور البيانات عشائرية الطابع التي تتوعد الإسرائيليين في مواجهة مقاومة حادة من الشعب الأردني، في الوقت الذي بدا فيه أن منطق الدفاع عن عملية السلام وخيار حل الدولتين والتعايش مع العدو الإسرائيلي بات خارج التأثير الشعبي تماماً، مع دعوات للمصالحة الوطنية الداخلية تلمس ضفاف الأزمة الحالية مع التيار الإسلامي، وفقاً لما ألمح له الكثير من القادة المشتبكين سياسياً بعد تصريحات نتنياهو، التي أحرجت الحكومة الأردنية ومعها النظام الرسمي العربي، واستدرجت عشرات من بيانات وزراء الخارجية العرب التي أدانت التصريحات واستنكرتها.
والمرجح في السياق، أن تصريحات نتنياهو تقدم خدمة عميقة لتيار الإسلام السياسي وللحركة الإسلامية الأردنية في توقيت حرج كانت تعمل فيه السلطات على تحجيم حضور الإسلام السياسي في الإيقاع العام، حيث التشدد الإسرائيلي هنا علناً مدعاة لتغيير المعادلات في عمق الخارطة السياسية الأردنية.
وبدا واضحاً أن الحدية هي أساس تفاعل الأردنيين مع هذه التعليقات الاستفزازية من جانب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي صدرت فيه بيانات عن عشائر كبيرة أهمها عشائر العبيدات في منطقة شمالي الأردن، وعشائر العجارمة في محيط العاصمة عمان، وعشائر الشوابكة في جنوبي البلاد.
ويتوقع أن المزيد من البيانات العشائرية ستصدر لاحقاً في إطار عودة ثقافة وخطاب مقاومة التطبيع مع إسرائيل والدعوة إلى إعلان تجميد اتفاقية وادي عربة، واتخاذ إجراءات في الحد الأدنى، خصوصاً بعدما وصفت مواقف وبيانات وزارة الخارجية والحكومة بأنها دون المخاطر التي يؤسس لها بنيامين نتنياهو.
وبرزت مداخلة حادة تم تداولها على نطاق واسع للوزير السابق والبرلماني والسياسي الأردني البارز الدكتور ممدوح العبادي، داعياً إلى مصالحات داخلية سريعة.
وفي هذه المداخلة، حاول العبادي تذكير الرأي العام الأردني بأن بنيامين نتنياهو يجب أن لا يتم التركيز على شخصه اللئيم باعتباره رجلاً منتخباً ويوجد أكثر من مليون ونصف يهودي مستوطن إسرائيلي انتخبوه، معتبراً أن الأطماع التلمودية في شرق الأردن مسألة قديمة وليست جديدة.
لكن نتنياهو يعبر عنها وانتخب على أساسها، ويريد اقتناص الفرصة التاريخية لتطبيقها. وشدد العبادي -كما أوضح لاحقاً لـ «القدس العربي»، أن بلاده ينبغي أن تتخذ عدة إجراءات وفوراً وبالحد الأدنى، مشيراً إلى أن المطلوب ليس إطلاق الرصاص والصواريخ ضد إسرائيل، بل الاستعداد بالرصاص لإطلاقه إذا ما هاجمت الأردن أو اعتدت عليه.
وطرح العبادي شعار «الأردن أولاً»، بمعنى أن تبدأ الدولة عملية تحشيد الشعب ضد العدوان العلني، وعلى أساس الأولوية الوطنية.
والمعنى هنا أن مشروع إسرائيل الكبرى يمس بالفلسطينيين والمصريين وجميع الدول العربية والإسلامية، لكن الرد الأردني ينبغي أن يركز على أولوية حماية الأردن، مقترحاً خطوات مقدوراً عليها- كما وصفها، ومن بينها مصالحات داخلية، وتجنب الخلافات الداخلية البسيطة لصالح ما هو أهم في هذه المرحلة، خلافاً بطبيعة الحال للقول بتجميد اتفاقية وادي عربة والدعوة إلى عقد دوره استثنائية للبرلمان بالحد الأدنى، مع استضافة قمة عربية طارئة للرد على تلك المخاطر التي أصبحت وشيكة.
وفي الخلاصة، يمكن القول إن «الصوت لصالح خيار المقاومة» ارتفعت حدته على نحو سريع خلال 48 ساعة فقط، بعد تصريحات شغف نتنياهو بإسرائيل الكبرى، فيما يبدو أشبه بتصويت جماعي للأردنيين لصالح خط المجابهة والمقاومة بعدما امتلأت الساحة سابقاً إعلامياً بالأصوات المعاكسة.
التحريض مجدداً على الإسلاميين بعد الآن بات أصعب في عمان.
وخيار التعايش مع «طموحات الإسرائيليين التوسعية» يسقط بسرعة في سيناريوهات الشارع الأردني، وتحاول السردية الرسمية اللحاق الآن بميكروفونات مخاوف الجمهور شعبوياً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading