اراء و مقالات

ملف «رواتب الكبار» في الأردن «يوتّر» العلاقة بين سلطتين: الرقابي نشط ومناكف والتشريعي مؤجل

عمان – «القدس العربي»: تصويت 43 % تقريباً من أعضاء البرلمان الأردني لصالح تقييم إيجابي يخص أداء الحكومة الاقتصادي يعني ضمناً أن 57 % من النواب لا يظهرون الرضا والتقييم الإيجابي للأداء الاقتصادي حصراً، رغم أن حكومة الرئيس الدكتور جعفر حسان، أعلنت عن هويتها باعتبارها حكومة تمثل التكنوقراط الاقتصادي وغير معنية جداً بالملف السياسي، خلافاً لأن أولويات الحكومة المعلنة مرتبطة بالرؤية التحديثية الاقتصادية.
لافت جداً للنظر في هذا التباين الرقمي بموجب التقرير الاستطلاعي لمركز راصد المتخصص لمتابعة البرلمان، وجود حالة من الازدواجية لا تعكس الانسجام المطلوب مرحلياً بين السلطتين، خلافاً لوجود ازدواجية في تعبير النواب عن أنفسهم؛ فنحو 60 % منهم على الأقل منح حكومة حسان الثقة الشهر الماضي، وبأغلبية الثلثين تقريباً منحت الميزانية المالية الجديدة الثقة البرلمانية.
المعنى هنا سياسياً أن النواب رغم تصويتهم لصالح الحكومة في الثقة والموازنة المالية، لا يستقرون في منطقة الرضا العام وبأغلبية مريحة في تقييم الأداء الاقتصادي حصراً، الذي يشكل هوية الحكومة المعلنة، فيما يتعزز الانطباع بنمو بعض الإشكالات بين السلطتين على صعيد الرقابة، ولم تختبر بعد العلاقة بين سلطتي التشريع والتنفيذ في مسار العملية التشريعية، حيث لا قوانين جديدة بعد مثيرة للجدل، وحيث يطل مسار الرقابة على أداء الحكومة بشكل عنيف ونشط في بعض التفاصيل، بدلالة إمطار حكومة حسان بعدد كبير وضخم وهائل من الأسئلة الدستورية والاستجوابات، وبدلالة الإثارة التي أنتجها العديد من النواب خلال 3 جلسات رقابية حاولت متابعة ما نصت عليه التقارير السنوية لديوان المحاسبة.
النسب التي أعلنت ظهر أمس الثلاثاء، قد لا تعكس الوقائع على الأرض، خصوصاً أن 66 % من النواب ونسبة قريبة من الأحزاب منحت الحكومة درجة الرضا العام عن الأداء بعيداً عن الملف الاقتصادي وبعد 153 قراراً في المسار الاقتصادي والخدماتي تحديداً اتخذتها الحكومة، ً لأن رئيس الوزراء شخصياً زار 57 مرفقاً في مختلف محافظات المملكة تركيزاً على رسالته والتوجيه الملكي بعنوان العمل الوزاري الميداني.
وزارة حسان لم تصطدم في البرلمان بعد في ملف التشريع، لكن الكيمياء غائبة، والاحتكاك حاصل، وأحياناً برفقة عناصر الإثارة الشعبوية ومخاطبة الغرائز عندما يتعلق الأمر بالملف الرقابي، فيما يظهر انحياز رئيس الحكومة وطاقمها للعمل الميداني حصراً أنها حكومة قرارات وإجراءات، أو تريد أن تظهر بصورة الحكومة التي لا تتردد في اتخاذ قرارات ولا تكثر من الكلام والتصريحات.
وهو ما يفسره على الأرجح اتخاذ 153 قراراً دفعة واحدة خلال 100 يوم من عمر الحكومة لمعالجة إشكالات متراكمة من سنوات سابقة في عهد حكومات الماضي.
وعلى مستوى الخبرة السياسية، تحاول الحكومة – برأي من يخاصمها من المراقبين- ملء الفراغات عبر آلية الإجراء والقرار، وهو ما فعلته في أكثر من قضية وملف.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن تركيز الحكومة الحالية على تعزيز موارد الخزينة وتأمين السيولة النقدية واتخاذ إجراءات أقرب إلى صيغة الجباية أحياناً إنما هي خطوة اضطرارية، لكنها مهمة تجنباً لمنزلقات أعمق وأبعد؛ خلافاً لأن الإجراءات والقرارات على أهميتها والحاجة لها لا تملء فراغ السياسات.
ثمة من يتصور حكومة الرئيس حسان باعتبارها شجاعة وجريئة وتتخذ القرارات الأنسب، لكن ذلك لا يفيد في القضايا والملفات الجوهرية التي تحتاج إلى تغيير على مستوى السياسات وليس على مستوى القرارات الإدارية فقط.
وما يثبت ذلك أو يعتبر بمثابة قرينة عليه، هو التباين الرقمي في تقييم أعضاء مجلس النواب لأداء الحكومة الاقتصادي، خلافا لفوارق النسب والأرقام التي تقول إن حكومة حسان تخضع لهجمات منظمة وجماعية من نواب الموالاة والوسط عبر الأسئلة الدستورية والاستجوابات والشغب وأنماط المكافآت رغم أن 66 % من أعضاء المجلس يقولون بالرضا عن الأداء العام للحكومة.
تلك مفارقات من الصعب تتبعها في المشهد البرلماني والسياسي الأردني الداخلي، ولا تعكس فقط إشكالية أو ضعفها في جبهة الحكومة بقدر ما تعكس أحياناً مؤشرات البوصلة التائهة في مجلس النواب ذاته، حيث يمنح بعض النواب الثقة للحكومة وللموازنة، لكنهم يواجهون الوزراء بكثافة ويوثقون أسئلة دستورية بالعشرات، وينتجون ضجيجاً لدى الرأي العام، مثل ذلك الذي وافق التنبيش والتنقيب في ملفات رواتب ومخصصات نخبة من كبار موظفي الشركات الحكومية والوزراء السابقين.
والتنبيش المقصود أو المشار إليه هنا أصبح ضاراً، وبدأ ينزل إلى المستويات الشعبية؛ بمعنى تحول قضايا رواتب المدراء الكبار في الشركات لدى الحكومة حصة أسهم كبيرة فيها إلى ملفات رأي عام تتدحرج في وقت تتوسع فيه البطالة ولا يتقلص هامش الفقراء ولا تزيد الرواتب.
ما لا تقوله الأرقام في استطلاع موقف النواب، التي تستهدف تقييم أداء الحكومة بعد نحو 4 أشهر من عمرها، قد يكون أهم مما لا تقوله مباشرة في الدلالات والاستنتاجات، خصوصاً بعدما رصد الجميع المفارقة الأهم، حيث 104 نواب من أصل 138 يمثلون البرلمان، لا يحفل أغلبهم بالتعبير عن أحزابهم السياسية خلافاً لنواب جبهة العمل الاسلامي طبعاً. وهنا محطة في المفارقات لا تتحدث عنها الأرقام.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading