من هم «خصوم» تحديث المنظومات الأردنية؟ «الرؤية» والاستثمار في «فضيلة التشكيك»
عمان – «القدس العربي»: مرة جديدة ينبغي ألا ينجرف المتحمسون أو الهواة الذين بين يديهم سلطات تنفيذية لتصنيف المشككين المفترضين بمسيرة الإصلاحات الثلاثية المحلية خارج سياق المضمون الأعمق في الرسائل الأخيرة المرجعية للقصر الملكي، خصوصاً وأن الواقع الموضوعي يتجاوز أي حالات برسم التشكيك بعد إظهار الحرص المؤسسي المرجعي على بروتوكولات التنفيذ الإجرائية.
عملياً لا يمكن القول بأن المواطن الأردني، وبعد سلسلة من خيبات الأمل الإصلاحية برفقة حكومات متعاقبة، يستطيع الاستيقاظ صباحاً وتوقيع شيك أبيض لصالح الثقة بالمسارات التنفيذية والإجرائية فوراً أو بمجرد توفير الرعاية من الغطاء السياسي. ولذلك يصبح التجريح بالمشككين أو حتى اتهامهم بيروقراطياً دون مستوى ومنطوق الرؤية الملكية المرجعية، بل تعبير عما تسمى بمصالح قوى الأمر الواقع التي لم يكن لها مصلحة بالإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل. ولا مصلحة لها بالتأكيد اليوم أو غداً بمسارات تحديث الدولة ومنظوماتها لأن الاعتقاد لا يزال صارماً بأن تحديث المنظومات الأساسية الثلاثة في الاقتصاد والسياسة والإدارة يعني بكل بساطة إذا ما حسنت نوايا التنفيذ توقف التعامل مع الوظائف العليا والأساسية أو الأدوار الرسمية أو الاجتماعية باعتبارها “أعطيات” على أساس المحاصصات الانتهازية بعد اليوم”.
ثمة خصوم للرؤية الجديدة لكنهم ليس بالشارع ولا بخريطة القوى السياسية المنتظرة، بل في عمق مؤسسات الواقع الموضوعي وهؤلاء ينشطون كالعادة في التشكيك في المشككين كلما قطعت الأطر المرجعية شوطاً إضافياً في إظهار الحرص والمتابعة التفصيلية لما بعد مرحلة الغطاء السياسي. التشكيك في أي السياسي مروان الفاعوري مؤشر على الحرص والإيجابية في اتجاه التأسيس لقواعد لعب سليمة ومنتجة بعد الآن هو ممارسة وطنية نبيلة بكل الأحوال تفيد الدولة قبل الناس. والمستويات الوظيفية التي تثق بقدراتها على إسقاط حسابات الرؤية التحديثية الشاملة لا تحتاج إلا لمشككين إجرائيين يلفتون النظر لكن قوى الشد العكسي قد تكون هي المتضررة إذا ما تسللت أفكار وقواعد التحديث إلى كل المفاصل والأوساط في صناعة القرار وأيضاً إلى الأدوار. وبالتالي النصوص المرجعية التي تم التأكيد عليها مجدداً بالمناسبة لا تتهم المشككين ولا توجه لهم أي رسائل سلبية بقدر ما تخاطبهم وتوحي ضمناً بأنها تسمعهم وبأنهم يوماً ما سيدركون بأن الإرادة السياسية اليوم ليست كما كانت في السابق. بوضوح يكن فهم الإشارة من باب التعليق والمتابعة للمشككين مرجعياً بين الحين والآخر بمسيرة التحديث الثلاثية باعتباره رسالة لفت النظر ومتابعة تفصيلية قد تدفعهم لاحقاً لمراجعة حساباتهم التشكيكية، أو للالتحاق على حد تعبير البرلماني والحزبي المخضرم محمد الحجوج بالحافلة الوطنية، حيث يصر الحجوج مجدداً، وهو يتحدث مع القدس العربي، على أن خيارين أمام المواطن، أحدهما فقط منتج وينفع الناس والبلد وهما المشاركة والالتحاق لما توافق عليه الجميع في الدولة والمجتمع أو البقاء في قرية الفرجة.
خياران متاحان لكل أردني اليوم والمعركة الوطنية من أجل التحديث كما يصر المهندس موسى المعايطة، أحد أبرز مهندسي ومراقبي مشروع التحديث أشبه ببركة سباحة وطنية ينبغي أن يتبلل فيها الجميع من أجل المصلحة العامة. رغم ذلك أغلب التقدير أن الإشارة التي وردت مؤخراً في توجيه ملكي بخصوص وجود مشككين لم يكن القصد بها إدانة أحد أو اتهامه أو حتى تأطيره، بل التأشير على كسر النمط مجدداً وبقوة الإرادة السياسية الملكية هذه المرة بدلالة مقارنة الإشارة للمشككين بتلك التوجيهات التي تتحدث عن قرار اتخذ وسيمضي ولا رجعة عنه ويمثل استراتيجية ومشروع الدولة في المستقبل.
يجتهد القصر الملكي قصداً بإظهار أن المسألة تعدت فيما يخص مسارات التحديث الثلاثي الإرادة السياسية، وتنتقل اليوم إلى خطط تنفيذية منثورة في كل المسارات وعلى أساس القناعة وفقاً لمراقبين سياسيين بأن المشككين لمسيرة التحديث صنفان أو ينتمون إلى شريحتين.
الشريحة الأولى تلك التي لا تلام لأن الحكومات المتعاقبة تسببت في أزمة مصداقية في خطاب الإصلاح، أما الشريحة الثانية فهي تلك التي من المنطق مناقشتها وتقديم البراهين والأدلة يومياً على حساباتها الخاطئة. لكن الأهم أن تلك المناقشة ليست واجب المؤسسات المرجعية، بل واجب الأجهزة التنفيذية ونخب الصف الرسمي، فهي التي تراقب من الناس اليوم، وهي التي ستكلف مشروع التحديث الثلاثي الكثير إذا ما رصد تفريط بالالتزام.
عملياً، في المقابل لا أحد في مركز القرار على الأقل يدين أو يتهم المستقرين في الشريحتين لأن البقاء في حالة تشكيك عدمي في كل حال والجلوس المستقر في حالة اتهام المشككين عدمي أيضاً وبامتياز. والرهان هو على الفئة التي تراقب وهي تشكك وتنصف وهي تشخص وهدفها رصد الأخطاء والتحدث عنها ولفت نظر مؤسسات القرار لحصولها بهدف التصويب والتجويد وهو الأمر الذي لا يفهمه المتحمسون بدون تفكير عميق لمشاريع تحديث الثلاثية.