نكتة الأردني تضرب: «بث موحد مثل خطبة الجمعة وزي المدرسة» انصافا لـ«الجزيرة»: تحية للجنرال نور

قد تكون أبرز «نكتة تلفزيونية» في عالم البث، لكنها تحمل الكثير من الدلالات تحت عنوان «ضجر الأردنيين» من شاشاتهم الفضائية، وتكرار الوجوه، لا بل الحاجة دوما لوجوه جديدة.
تقول النكتة بعيدا عن الأسماء إن «3 ضيوف» عدا ونقدا، يظهرون على شاشة تلفزيون «المملكة» 3 أيام في الأسبوع «سبت وإثنين وأربعاء»، فيما يظهرون تعليقا على «كل الأحداث».. 3 أيام أخرى على شاشة تلفزيون «رؤيا»، وحصرا أيام الأحد والثلاثاء والخميس.
طبعا، تلك النكتة أقرب إلى مجاز سياسي تهكمي.
أحد الظرفاء نشر يقول «الشعب يطالب بملء فراغ استوديوهات التحليل مساء بالأصوات نفسها، لأنه تعود على الضيوف الثلاثة».
الأهم من تلك النكتة دلالاتها، فهي تؤشر على أن شاشات البلاد الرسمية وشبه الرسمية والخاصة تدار في الكونترول من «الرقيب نفسه»، هي مسألة أصبحت أشبه بـ»خطبة الجمعة الموحدة»، من جهة وزارة الأوقاف، حيث الحكومة تستضيف نفسها على شاشاتها، وتترك الجمهور المحلي للسردية، التي تقدمها القناة 13 الإسرائيلية!
قرية الفرجة
تؤشر هذه أيضا على عدم وجود ميكروفون حر في البث الوطني، إلا عبر شاشة «اليرموك» التابعة للإسلاميين، والتي تحولت إلى «أثر بعد عين»، فيما قناة «الحقيقة الدولية» المحلية مشغولة أكثر بقطاعات النقل ومواسير المياه والخدمات الصحية، على طريقة «البث المباشر».
شعب «المستمعين» في «قرية الفرجة»، منتبه تماما لتكرار العبارات والضيوف أنفسهم، كلما «طب الكوز الإسرائيلي في جرة الوطن»، ويطرح اقتراحين: إما تحويل ما يقوله «المتحدثون الحصريون باسم الدولة» إلى كراسة مكتوبة ومسموعة، يتلوها العيال في المدارس، أو تجربة فكرة «التنويع»، حيث عشرات القامات التحليلية وأصحاب الرأي المهني المستقل والوطني مصطفون على طابور تلفزيونات الحكومة، ويمكنهم الانضمام للحفلة للمشاركة في سلسلة الأعراس الوطنية وبطريقة تلائم الحكومة ولا تغضبها.
نخبة من كبار المحللين والمعلقين يسمعهم الشعب على شاشات دولية مهمة مثل «الجزيرة» و»سي أن أن»، وحتى «سكاي نيوز» و«بي بي سي»، لكن هؤلاء لا يتسع لأصواتهم «الأثير الوطني والمحلي»، في مفارقة أخرى لا أحد من بين المتعاقبين على مواقع المسؤولية في كتيبة الإعلام حاول معالجتها.
ما علينا، لو كنت مكان الحكومة والقائمين على مشروع دمج قناة «المملكة» بالتلفزيون الرسمي لحاولت التقاط رسالة «تلك النكتة السياسية الإعلامية» وتحليلها، حيث لا ضير ما دام «الكونترول الموحد»، مثل الزي المدرسي الموحد من إلحاق كل الشاشات بعملية الدمج وبقية البقالات الإذاعية، حتى تنضبط معايير السردية والسوق معا.
يمكن في تلك الحالة توفير بعض الموارد البشرية، التي تبدو متخصصة في الرقابة لصالح أشغال أكثر إنتاجية، لأن الحكومة لا تريد الإصغاء إلا لروايتها هي على منابرها، وتحرم الوطن والقرار والجمهور من «رواية أخرى أكثر استقلالية» قد تمكث في الأرض أو تنفع الدولة والناس.
اقتراحي أن تخف حدة التدخل بالزملاء المهنيين في الشاشات المحلية.
تحية للجنرال نور خالد
بحثت بحماس طوال الأسبوع الماضي عن أدلة وقرائن في التغطية، التي تفردها قناة «الجزيرة» لأحداث غزة، تثبت مزاعم البعض أن «الجزيرة غيرت سياستها المهنية»، فلم أجد بصراحة أي إشارة مهنية تؤكد على تلك المزاعم، التي حاول كثيرون التقاطها، ثم ترويجها بعد ممارسة عملية اصطياد!
ما زالت قنابل إسرائيل تنفجر بالقرب من المراسلة الشابة «نور خالد» على الهواء المباشر، حيث وضعت الصبية خوذتها على رأسها وروحها على كفها، وتجولت بالكاميرا بعد شهيد الأمة «وائل الشريف».
في تقريرها الميداني الأسبوع الماضي انفجر صاروخ إسرائيلي على بعد أمتار من المراسلة نور، وهي تتحدث مع نساء غزة الماجدات، عن رحلة النزوح الجديد فتحركت الزميلة عفويا أمام الكاميرا، وحاولت إبعاد ضيفتها بتلقائية جنرال عسكري متخصص بحماية الأرواح.
ما تزال ملامح «الجوع» تظهر على وجنتي زميلين أخرين يظهران في حي صبرا، أو منطقة المواصي الملوثة لالتقاط الأخبار. المعلقون إياهم ما زالوا في الأستوديوهات، ويتحدثون عن نبض الشعب الفلسطيني، والضيوف يقدمون الرأي الآخر بكفاءة واستقلالية ومهنية.
قد لا يعجب بعضنا قناة «الجزيرة» أو حتى فريقها الإداري الجديد، لكن في الأداء والتغطية المهنية، وفضح ممارسات الاحتلال، بالصوت والصورة، وتقديم المزيد من المراسلين الشهداء، الذين يتحدثون عن ذويهم الشهداء في البث الحر، ما زالت السياسة المتبعة لتلك المحطة، التي نحترم كل ما فعلته في «فضح الكيان».
طوبى لزملائنا الشهداء في غزة. شكرا لـ»الجزيرة» والعمر المديد لابنتنا ونجمتنا الجديدة نور خالد، لتصبح خاصرة تاريخية في بطن الاحتلال وجرائمه، كما كان الدحدوح ورفاقه.
وشكرا مع «سلام مربع» على طريقة فضائية «القاهرة والناس» لكل إعلامي في «الجزيرة» وغيرها حمل مع أهله لقب «الشهيد الحي».
من لا يستطع انتقاد «شاشات الميرمية» والمارشات العسكرية الفارغة وبرامج زراعة البرسيم والمسلسلات الكورية المدبلجة في بلده، يمكنه أن يبحث عن «إبرة أخرى» لخياطة وحياكة دسائسه، بعيدا عن «مراسلي الدم» والمؤسسة التي وفرت لهم الغطاء.