نواب الأردن في «جلسة أولى متوترة»: «عض أصابع» تشريعي مع الإسلاميين … كيف تتجاوز الحكومة «مطب رفع الرواتب؟»

عمان- «القدس العربي»: إخفاق مجلس النواب الأردني في أولى جلساته، صباح أمس الثلاثاء، بالتوافق على تشكيل اللجنة القانونية إثر إصرار النائب الإسلامي أحمد القطاونة على ترشيح نفسه، يبدو أنه مؤشر إضافي على سيناريو الاشتباك في إعاقة التوافق كان قد توقعه الخبراء بسبب ما يقول الإسلاميون إنه عملية إقصاء منهجية طالتهم عن اللجان الرئيسية في التشريع والرقابة.
عملياً، وفي أول جلساتهم في الدورة الجديدة، برزت مشادات كلامية وحالة احتقان وتبادل اتهامات بين نواب الأحزاب الوسطية ونواب جبهة العمل الإسلامي، ما دفع رئيس المجلس مازن القاضي إلى رفع الجلسة بسبب موجة الاضطراب وإرجاء تشكيل اللجنة الأهم عملياً إلى إشعار آخر.
لكن المجلس تمكن من إحالة مشروع الميزانية إلى اللجنة المالية ظرفياً بعدما استمع إلى خطاب الميزانية المالية.
تقدم عدد كبير من النواب بمداخلات في القراءة الأولى عن الميزانية تدل على أن عبور الميزانية المالية بدون ضجيج والتزامات لها علاقة بالمطالبة برفع الرواتب قد لا يكون خياراً متاحاً للحكومة التي طالتها اتهامات مباشرة حتى من بعض أحزاب الوسط وتيار الموالاة بعنوان تجاهل معاناة الشعب الأردني بسبب الضرائب والأسعار والامتناع عن رفع الرواتب.
قبل ذلك، وعند البدء بتشكيل اللجنة القانونية توافقياً، ظهرت الجملة التكتيكية للإسلاميين الذين أغضبتهم حالات الإقصاء عندما قرر النائب الإسلامي المشاكس أحمد القطاونة ترشيح نفسه لعضوية اللجنة القانونية بصيغة أعاقت التصويت التوافقي على 11 عضواً فيها.
ترشيح القطاونة هنا عملية شغب نظامية لا تخالف الدستور ولا القانون، وان كانت تجبر المجلس على إجراء انتخابات لعضوية لجنة خططت رئاسة اللجنة للتوافق عليها تجنباً لخيارات الانتخابات الداخلية وعلى أساس التوافق والتزكية.
خطة التوافق هنا أحبطها ترشيح القطاونة، الذي كان للتو قد نشر تغريدة على صفحته الإلكترونية يتحدى فيها من وصفهم بالمأجورين الذين يحرضون ضد حزب جبهة العمل الإسلامي، فيما اللافت أن الأخير أراد تثبيت رسالة اعتراضية بترشيح نفسه رغم أن التوافقات التي خططت لها رئاسة المجلس ضمت عضوين من الكتلة الإسلامية، هما: ناصر النواصرة، والدكتورة بيان المحسيري.
لم يعرف بعد ما إذا كان القطاونة قد نسق حركته الاعتراضية مع كتلة الحزب، لكن المفهوم في المشهد أن أعضاء التيار البرلمانيين في حال عدم الحصول على حصة من مقاعد اللجان الأساسية، قد يذهبون باتجاه إعاقة توافقات التزكية وإجبار المجلس على الانتخابات، فيما الخيار أمام رئاسة المجلس في مثل هذه الحالة سيكون إما منح الإسلاميين المقاعد التي يريدونها في اللجان، أو رفع الجلسة لإجراء المزيد من التفاوض؛ وهما خياران في التكتيك يثبتان جدارة الإسلاميين في المناورة التشريعية ويشرحان الاضطراب والملاسنات والتجاذب اللفظي الذي برز في جلسة الثلاثاء في بداية افتتاح الموسم البرلماني.
واضح تماماً من مناخ الجلسة أن الإسلاميين دخلوا للجلسة بانطباعات مسبقة عن إقصائهم من اللجان، وهو ما عبر عنه النائب ناصر النواصرة كما قالت «القدس العربي» في تقرير لها، عندما رد على مقال اقترح فيه أحد الكتاب أن حل حزب جبهة العمل الإسلامي قيد الدراسة.
تلك الجلسة تضمنت عض أصابع سياسي، وتعتبر بمثابة إنذار مبكر للمكتب الدائم لمجلس النواب إذا ما قرر الإسلاميون رداً، على تجاهل حصتهم في اللجان، استخدام سيناريو الثلث المعطل بترشيح أنفسهم وإجبار المجلس على إجراء انتخابات يراد استبعادها بآلية التوافق والتزكية.
والتجاذب هنا قد يخدم مسيرة العمل البرلماني ويضعف نتائج انتخابات اللجان إذا ما بقي الإقصاء فيها منهجياً. إذا بالغ الإسلاميون في استعراضاتهم تحت القبة وطالبوا بحصة تفوق حجمهم فقد تكون الفرصة متاحة لإعادة النقاش بملف مخالفات حزب الجبهة وشرعية نحو نصف مقاعده البرلمانية الممثلة للقوائم الوطنية العامة.
الرهان بعد جلسة متوترة أولى على قدرة رئاسة المجلس والمكتب الدائم على احتواء الإسلاميين، خصوصاً أن التوافق المطلوب يريد تجنب إجراء انتخابات على عضوية اللجان ورفع الجلسة، في هذا المعنى يساعد الرئيس القاضي في التأمل والتدبير والتواصل مع الجميع. لكن على جبهة موازية وبعيداً عن الإسلاميين، تلمست الحكومة في القراءة البرلمانية الأولى لخطاب الميزانية المالية مباشرة احتياج النواب لقرارات جريئة وشعبية لعل أبرزها رفع الرواتب.
وهو خيار قال الخبراء إنه خارج نطاق الإمكانية الحكومية رقمياً بسبب ارتفاع كلفة الدين الخارجي وتزايد مساحة العجز رقمياً في الموازنة.
عضو المجلس أحمد الرقب، صرح بأن رواتب الأردنيين ثابتة منذ 15 عاما.
وزميله موسى الوحش، طالب بزيادة رواتب لا تقل عن 50 ديناراً شهرياً، وساند المطلب في انتقاد بيانات الحكومة في القراءة الأولى رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي صالح العرموطي.
ثلاثية الإسلاميين في التركيز على رفع الرواتب جزء من الإطار التكتيكي رداً على استمرار استهدافهم في الإعلان الرسمي، أما العنصر الأكثر إثارة فهو أن «مطب الرواتب» لا يملك نواب الوسط المخاصمون للإسلاميين تجاهله عملياً أو التصدي له تحت القبة.
ما توحي به جلسة النواب الأولى بشأن الميزانية يؤشر على أن عبور الميزانية لن يكون أمراً سهلاً، وأن المجلس والحكومة معاً يحتاجان لوصفة معتدلة في احتواء الإسلاميين وتجنب حشرهم في زوايا ضيقة عبر الإقصاء.
