اراء و مقالات

هل أصبحت السويداء مثل درعا مشكلة أردنية؟ رحلة «صداع» يضمن المبعوث توماس براك ديمومتها

عمان-« القدس العربي»: شغف المؤسسة الدبلوماسية الأردنية في البقاء في أقرب نقطة ممكنة من ملف الجنوب السوري له دوماً ما يبرره في ميزان المصالح.
لكن ذلك لا ينفي وجود حلقات غامضة نسبياً حتى الآن مرتبطة حصراً في الدور الذي يفترضه الأمريكيون بصورة محددة لحجم وشكل وهوية البصمة الأردنية في ملف الجنوب السوري.
حتى الآن استضاف وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في عمان، اجتماعين بحضور كل من نظيره السوري، أسعد الشيباني، والمبعوث الأمريكي الخاص لسورية، توماس براك.
الاجتماع الأول بقي في إطار الدبلوماسية والسياسة، واتفق أن يلحق به إطار عملياتي في الاجتماع الثاني الذي عقد صباح الثلاثاء الماضي وأعقبه بيان سياسي وخطة عمليات.
لكن المهم ملاحظة أن القصر الملكي استضاف الضيفين السوري والأمريكي في خطوة إعلامية توحي بضوء أخضر مرجعي للحراك النشط في ملف الجنوب السوري الذي كلف به الوزير أيمن الصفدي مما يظهر بأن الدولة الأردنية، وليس الوزير أو الوزارة، هي التي تتحرك باتجاه تلك البصمة.
عملياً، طبيعي جداً أن يثير كل ما له علاقة بسوريا الجديدة مخاوف لدى قطاع من النخب الأردنية.
الوضع السوري ملتهب وحمال أوجه، والسيناريوهات متعددة، وجنوبي سوريا كان طوال الوقت التعبير الأمثل عن رحلة صداع أمنية وسياسية أردنية من اللحظة التي نقل فيها وفي وقت مبكر السياسي الفلسطيني عباس زكي للأردنيين مقولة شهيرة للرئيس المخلوع بشار الأسد قال فيها: «درعا مشكلة أردنية».
كانت درعا دوماً مشكلة أردنية ومنذ عام 2011. لكنها لا تزال مشكلة أردنية بالرغم من التغيير الدراماتيكي الذي حصل في دمشق وكل مناورة دبلوماسية أو أمنية أو سياسية لعمان في الملف السوري تنطلق حصراً من حسابات متقاطعة ومعقدة لها علاقة بمصالح الدولة الأردنية وشعبها.
الحدود طويلة ولكنها مضطربة أيضاً، وأولوية الأردن الحدودية عبر عنها الوزير الصفدي بوجود «القدس العربي» عندما اعتبر أن تهريب المخدرات على رأس قائمة الاهتمام. تقلصت عمليات التهريب للمخدرات السورية باتجاه الأردن بوضوح.
لكن في متوالية هندسية أمنية مسيسة لاحظ الجميع مؤخراً نشاطاً متزايداً في تهريب المخدرات وبطرق تقنية حديثة من جنوبي فلسطين المحتلة ومن مصدر أو منشأ إسرائيلي هذه المرة.
لا أحد على المستوى الرسمي يفسر تلك العلاقة التي رصدها مبكراً الخبير العسكري نضال أبو زيد بمعية «القدس العربي» بين انخفاض معدل تهريب المخدرات من سوريا وارتفاعه فجأة من جانب شريك السلام الإسرائيلي الذي يتخذ في الواقع الفلسطيني والإقليمي خطوات ميدانية تمس من دون إعلام بالمصالح الأساسية الأردنية.
عملياً، ما يشعر به الشارع الأردني هو تطوير مثير وأحياناً مريب على فكرة درعا مشكلة أردنية لصالح مقولة جديدة تضيف السويداء باعتبارها مشكلة أردنية جزئية أيضاً.
والسبب على الأرجح قد يرفع من مستوى التصنيف ليصبح أمن الجنوب السوري برمته صداعاً متجدداً للأردن ومؤسساته، حيث تتقاطع الأجندات والمصالح هنا، وحيث تغذي مجاملات توماس براك الصداع المشار إليه.
المبعوث الأمريكي باراك أكثر من تعليقات المجاملة التي توحي بأنه لولا الأردن ودوره لما تم احتواء أحداث السويداء الدامية.
الوقائع تشير إلى أن المزاج الشعبي الأردني يرتاب ولا يرتاح كلما امتدح الأمريكيون دور عمان فيما يسميه براك بالشراكة الأردنية الأمريكية السورية.
في الجانب السياسي واضح: عمان دخلت بقوة دبلوماسياً وتشاورياً على خطوط إنتاج ما يسميه الأمريكيون باستدامة الهدوء في الجنوب السوري وفي الناحية العملياتية تبدو التفاصيل إما محرجة أو غامضة عندما يتعلق الأمر بالإجابة عن السؤال التالي: ما هي حيثيات الاشتباك العملياتي المطلوبة لإدامة الهدوء في السويداء ودرعا؟
سؤال مطروح وإجابته معقدة والمرجح أن الخارجية الأردنية ليست بصدد شفافية مباغتة تجيب عن مثل ذلك السؤال تستبق المراحل أو تحرقها.
عمان، وطوال سنوات الأزمة السورية، رفضت وبإلحاح التواجد أمنياً داخل الأراضي السورية، وأغلب التقدير أن خطوة أمريكية من هذا الصنف كانت مطلوبة قبل نحو عامين ورفضت أمنياً، فيما المرجح أن يتواصل هذا التمنع بسبب الحسابات والحساسيات والتعقيدات المحتملة، خصوصاً وأن مناطق الجنوب السوري يعبث فيها الإسرائيليون أحياناً خلافاً لأن مجموعات مسلحة متنوعة وأحياناً طائفية موجودة في الميدان.
طبعاً نطاق العمليات في الإدارة الحدودية السيادية والأمنية ليس مطروحاً للعامة.
لكن التخوفات على الطاولة بدأت تصبح شبه علنية بأن الأمريكي براك يكثر من التقول والترحيب بالدور الأردني، علماً أن الأردن يدير اشتباكه الإيجابي مع تفصيلات الملف السوري ضمن جملة تكتيكية غاية في التلمس والرصد والحذر.
عمان هنا تحكمها المصالح الواقعية على الأرض. وليس من الممكن لها ترك الحكم السوري الجديد وحيداً في ملف الجنوب تحديداً خلافاً لأن العاصمة الأردنية تعلم مسبقاً بأن ترك الساحة في الجنوب السوري للأمريكي والإسرائيلي قد ينتهي بإلحاق ضرر بالغ بمصالح الأردن في حال الغياب ليس عن الطاولة فقط، بل غرفة العمليات أيضاً.
يعني ذلك وفي كل بساطة أن الأردن يتوجب أن يبقى مطلعاً وحاضراً في محور السويداء – درعا.
ذلك طبعاً عبء إضافي وكبير وحمال أوجه وسيناريوهات لكنه تعبير ملح عن المصالح الأساسية خلافاً لأن إبعاد الأصابع الإسرائيلية عن ملف السويداء هدف يجمع الدولة الأردنية بالإدارة السورية الجديدة والدولة التركية ولا يعارضه الأمريكيون.
مجدداً كما سهر الأردن ليله الطويل منذ عام 2011 وهو يراقب درعا والجنوب قد يسهر في مراقبة السويداء.. ذلك مقتضى أمني إستراتيجي الآن بصرف النظر عن مخاوف الناس وبعض النخب.
الأهم أنه وسيلة للبقاء في منطقة شراكة حيوية مع الإدارة الأمريكية الحالية المقلقة تضمن مقعداً يمكن أن يلزم لاحقاً في مواجهة أطماع اليمين الإسرائيلي، ليس فقط في الضفة الغربية والأغوار أو في الجنوب السوري.
لكن أيضاً في الأردن ذاته في مشهد يعززه ظهور شعوذة بنيامين نتنياهو مؤخراً ذات الصلة بالإطار الروحاني والتي تتغزل فجأة بمشروع إسرائيل الكبرى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading