اراء و مقالات

هل تستخدم الفرامل؟ «انزلاقات تعبيرية» في الأردن تخدش «مقاصد» الأمن الوطني واستقلالية العدالة

عمان- «القدس العربي»: ملاحظتان لم يعد من الحكمة إغفالهما، لا سياسياً ولا وطنياً، عندما يتعلق الأمر بـ «سيناريو الفزعة» الذي لا يرتقي إلى مستوى الإنجاز الأمني في ملف خلية الـ 16 بعدما طرق هذا الملف من حيث تكوينه وتوقيته وتفاصيله، كل الأجراس في المجتمع الأردني.
الملاحظة الأولى هي تلك التي تقول برصد نشاط مباغت على مستوى الأمن السيبراني مصدره المرجح الوحدة الإسرائيلية 8200 التي ضبطت عدة مرات وبدون إعلان وهي تحاول العبث بالنسيج الداخلي الأردني واستغلال منصات التواصل الاجتماعي مع بعض البسطاء والسذج، كما يصفهم الناشط السياسي محمد الحديد.
الحديد وهو يشرح لـ «القدس العربي» تقديره الرصدي حاول التذكير بمخاطر تلك الوحدة التجسسية وهي لا تترك فرصة لأي نشاط يحاول زرع فتنة بين الأردنيين.
لا تعلن السلطات الحكومية شيئاً محدداً بخصوص نشاط إسرائيلي يحاول زرع الفتنة، لكن العبارة التي وردت في تصريح أمني صدر السبت بصيغة مقتضبة عن حسابات بعضها محلي وبعضها الآخر خارجي تم ضبطها وتخضع للمراقبة، قد تصبح قرينة على تلك الرواية عن الفتنة التي يسعى العمق الإسرائيلي إلى إنتاجها في الأردن المجاور على أكتاف حدود فلسطين المحتلة.
مديرية الأمن العام أعلنت بأن الوحدة المتخصصة فيها بالجرائم الإلكترونية ألقت القبض على متورطين بـ 5 حسابات إلكترونية تبث الفرقة وتسيء إلى الوحدة الوطنية في الأردن.
تصريح مديرية الأمن العام حقق مساحة من الاسترخاء والطمأنينة وسط النخب والمواطنين؛ لأن رسالته تعيد التأكيد على ما أكده سابقاً وزير الداخلية مازن الفراية، بعنوان يقول إن الدولة لن تتسامح مع من يسممون الفضاء الإلكتروني بثقافة الكراهية.
تلك خطوة أعقبت الإعلان الأمني الشفاف عن تفاصيل ملف قضية أو خلية الـ 16، وأصدرت مجموعة عمان للحوارات بياناً انتقدت فيه تلك الاستجابات الضارة التي ظهرت على الشبكة في بعض المقالات بصيغة لا ترقى إلى مستوى الرسالة الأمنية المرادة.
ذلك لا يعني -وفقاً للحديد ونشطاء غيره- إلا أن دوائر القرار وأطرافاً محلية أخرى تراقب ردود الفعل وتحتاط لتجنب انزلاق التعبيرات إلى جدل المكونات والنسيج وبصورة قد تسيء فعلاً إلى مقاصد الحفاظ على الأمن الوطني وأهداف الكشف عن تفاصيل مجموعة الـ 16.
وفي المقابل، تبرز الملاحظة الثانية حيث مقالات ومداخلات تلفزيونية لنخبة من أصحاب الألقاب والشخصيات وبعضها وزارية سابقة، التي تنزلق بدورها في التعبير والتحريض بعيداً عن الأهداف العميقة.
برلماني سابق ظهر تلفزيونياً وهو يطالب بسحب جنسية المتهمين قبل حتى صدور قرار قضائي في قضيتهم.
وزيران سابقان حكما قبل القضاء على المتهمين، لا بل دعا أحدهما علناً إلى إخراج جماعة الإخوان المسلمين تماماً من المعادلة الوطنية في جملة تحريضية تخدم الحركة الإسلامية وليس العكس، فيما قدم وزير سابق مداخلة تتهم جماعة الإخوان المسلمين بالعلم المسبق بتحضيرات تصنيع الصواريخ والمسيرات.
يبدو هنا للمراقبين بوضوح أن الكشف الأمني القانوني عن تلك القضية المهمة والمحرجة أعقبته انزلاقات في التعبير والتحدث مجدداً باسم الدولة تحت عناوين الولاء المسموم، فيما التحريض ضد التيار الإسلامي بصورة عمومية ينطوي على فرضيات يمكن أن تخدش استقلالية نظام العدالة؛ لأن بعض الشخصيات الرسمية تورطت بالإدانة قبل المحكمة، لا بل على المنصات دعوات لإعدام المتهمين أيضاً.
حملة المزاودات ألحقت ضرراً مبكراً حتى بحسابات الدولة الأردنية. وليس سراً أن أجهزة الرصد الحكومية رصدت، سيبرانياً، اجتهادات ودعوات ركزت على سحب الجنسية من المتهمين وحفلت بملاحظات تكرس الكراهية وسط مكونات المجتمع قبل حتى صدور قرارات قضائية في الملف.
النمط الذي رصد بوضوح في الإساءات لمكونات والوحدة الوطنية ثم في الدعوة إلى سحق الإسلاميين، قدم مساهمة فعالة في حالة تحريضية كلفتها قد تكون أكبر إذا ما صمتت أعين الحراسة الرسمية عليها من كلفة التعاطي الأمني والقانوني مع قضية أمنية في نهاية المطاف بصرف النظر عن أصول ومنابت الأردنيين الذين تورطوا فيها.
واضح أن الاستنتاجات المتسرعة التي تسبب بها بعض كتاب التدخل السريع والمزاودون والسذج على بعض الحسابات الإلكترونية، لا تخدم النص الرسمي الوطني في الوقت الذي اتخذ فيه قرار مركزي أساساً بأن قضية المتهمين الـ 16 من جذرها إلى نهاياتها تقرر أن يتم التعاطي معها وفقاً لقواعد هيبة الدولة ودولة القانون، الأمر الذي سمعته «القدس العربي» في مرافق سيادية وأخرى سياسية.
الأوضح أن تراكم الارتياب بنشاط إسرائيلي فتنوي وسط الأردنيين مع تراكم اجتهادات تزايد في الاستجابات أو تسعى إلى تصفية حسابات شخصية وأيديولوجية مع التيار الإسلامي حصراً، إنما هي عناصر تلحق ضرراً في البعد الوطني والأمني لتلك القضية، وقد تنتهي بوضع بعض الفرامل على سيناريوهات وتصورات رسمية بقيت مدروسة.
الحفاظ على قيمة مستقرة باسم «المتهم بريء حتى تثبت إدانته» أهم بكثير من الاندفاع الشعبوي في الرد على شعبويات التيار الإسلامي المرهقة.
إن الحفاظ على مجتمع مستقر يخلو من ثقافة الكراهية وسموم الإلكترونيات والمنصات، هدف لا يقل قيمة وطنياً من جرعة الكفاءة المهنية التي رافقت المنظومة الأمنية وهي تكشف عن التفاصيل وستتخذ الإجراءات في ضوء صلاحيات القوانين.
انزلقت التعبيرات في بعض أوساط المجتمع، وساهم كتاب وأشخاص في مناصب رسمية متطوعين، في بث التحريض والكراهية إزاء ملف قضية خطط مسبقاً لها بأن تبقى في إطار القانون والعدالة.
وبدا أن عنوان المفارقة يقول إن التصدي لمن يحاولون صناعة سلاح في البلاد للمساس في الأمن الوطني بصرف النظر عن دوافعهم وخلفياتهم الجنائية والسياسية، لا يزيد أهمية حتى في حسابات عقل الدولة عن الحرص على صلابة الجبهة الداخلية ونبذ، لا بل ملاحقة مروجي ثقافة الكراهية، كما وصف وزير الداخلية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading