«وعد ترامب»… و«إخوان» الأردن
العدو انتقل من دائرة الطامح إلى دائرة الطامع لا بل إلى مستوى الطامع القاتل الذي لا يرعى اتفاقا ولم يعد يؤمن بالسلام
قد يختلف المراقب مع الإخوان المسلمين في الأردن أحيانا أو في معظم الأحيان، وقد يتفق معهم في محطات وطنية أساسية.
لكن ما لا يمكن في كل حال تجاهله في هذه المرحلة هو أن التعبيرات الإسلامية الوطنية ورقة رابحة بكل المعاني والدلالات، إذا ما تقرر فعلا الاشتباك مع برامج الهيمنة والإخضاع التي يتبعها يمين إسرائيل الآن ضمن مخططه وهو في الواقع علني ولم يعد سريا.
ثمة أعراض سلبية في خطاب الإخوان المسلمين وثمة ملاحظات عليهم وضبابية وغموض في بعض التفاصيل وبطء وزحف وتوقيت سيئ في تفاصيل اخرى. لكن المرحلة تؤشر بوضوح على أن أي إصرار على تجاهل الهوية السياسية الإسلامية للشعب الأردني أو على إقصاء المكون الإخواني بوصلات الشيطنة السخيفة البائسة هو ضرب للدولة تحت الحزام، وإضعاف لها فيما يترصد اليمين الإسرائيلي الإرهابي المجرم بجبهة كل دول الجوار.
لن نعيد تكرار الإشارات والقرائن والأدلة والخرائط التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن حكام تل أبيب الآن فتحت شهيتهم إن لم يكن على ابتلاع وإخضاع الأردن شعبا وحكما، فعلى خلط الأوراق وتصدير أزمة الضفة الغربية وأهلها إلى الشرقية.
نلاحظ مع الملاحظين بأن خطاب الدولة الرسمي توقف عن إنكار المخاطر، وإن احتفظ بعض محترفي إنكار مخاطر إسرائيل بوظائفهم العليا.
الوقت ليس ملائما لافتعال أزمات مع الجبهة الشعبية الأعرض والأوسع والأكثر خبرة في البلاد والقوى السياسية والحزبية والمدنية برمتها، أول سلاح فعال بيد مراكز القرار الرسمي في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها المنطقة، لأن ما يفعله الإسرائيليون في لبنان والعراق وسوريا والضفة الغربية له اسم واحد فقط، وهو تصفية القضية الفلسطينية وضم أراضي الضفة الغربية وتهديد الأردن بالنتيجة.
ولا علاقة لاسمه لا بالرد على عملية 7 أكتوبر المجيدة بإبعاد حزب الله الى ما بعد الليطاني أو بتقليم أظافر إيران. اسم ما يفعله اليمين الإسرائيلي اليوم واضح والإنكار جريمة بحق الوطن الأردني، وهو الهيمنة على المنطقة مجددا، واستعباد زعاماتها وحكوماتها ثم شعوبها.
العدو انتقل من دائرة الطامح إلى دائرة الطامع لا بل إلى مستوى الطامع القاتل الذي لا يرعى اتفاقا ولم يعد يؤمن بالسلام
وهي صيغة لم يعد سرا أن العدو الواضح فيها انتقل من دائرة الطامح إلى دائرة الطامع لا بل الى مستوى الطامع القاتل الذي لا يرعى اتفاقا ولم يعد يؤمن بالسلام ويترقب مع ماكينته العسكرية الفتاكة المدمرة بصبر ذلك المشهد الذي يقفز فيه شخص مثل دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض لكي ينفذ وعده المشؤوم بتوسيع إسرائيل كما اقتطع الجولان وأهداها لبنيامين نتنياهو على نفس درب وسيناريو بلفور الشهير.
أقصى اليمين الأردني في التعبير السياسي الإسلامي يمثله الشيخ مراد العضايلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، وهو يسأل علنا ترامب وحملته الانتخابية: توسيع إسرائيل بأي اتجاه؟
وبالمقابل يجيب على السؤال مثقف سياسي وخبير ليبرالي كبير من وزن الدكتور مروان المعشر وهو دوما رجل دولة يعتد به بكلمتين: الاتجاه واضح ومن يحكمون تل أبيب اليوم ساعون للوطن البديل.
سواء تعلق الأمر بالوطن البديل أو بما يسمى بالخيار الأردني، إذا كانت الدولة تخطط ليس للمجابهة والمواجهة والحرب بل لتحصين الموقع التفاوضي وتخفيف الأضرار وتعزيز المكاسب بالحد الأدنى، فعليها الاستثمار بالإخوان المسلمين.
نعلم أن للدول حساباتها وزواياها وأن الإخوان المسلمين عليهم عشرات أو مئات الملاحظات.
لكن نعلم بالمقابل بأننا لا نقبل المزاودة في المصلحة الوطنية الأردنية لا من أخ مسلم على وزير أو موظف أو مواطن ولا من سياسي أو وزير أو مسؤول على وطنية الإخوان المسلمين.
نعلم أيضا أن مصلحة الدولة والنظام والوطن لا يختلف عليها إلا جاحد أو مندس فقط وأن الدولة الأردنية كانت ولا تزال وستبقى هي التعبير الدائم والقائم عن أشواق الأردنيين في مؤسساتهم.
لذلك تعالوا نلتقي عند كلمة سواء بحسن نية، فالتيار الإسلامي الأردني جزء أصيل وعميق في نسيج المجتمع وأي إقصاء أو شيطنة تطاله تخدم أهداف العدو الإسرائيلي، فيما الابتعاد عن مؤسسات الدولة الأساسية والسيادية في هذه المرحلة الحرجة بالتوازي عبث لا يخدم إلا تلك الأطماع التي يتحدث عنها الإخوان المسلمون وغيرهم.
يمكن اللقاء في منطقة وسطى. يمكن الاتفاق على ترسيم تلك المنطقة بحسن نية من جهة الدولة وقيادة الإخوان المسلمين ونزعم كمراقبين وبكل النوايا الحسنة المفترضة بأن أي لحظة صدام أو مجابهة وطنية مع أطماع اليمين الإسرائيلي قد تحصل قريبا، وثمة من يقول إنها ستحصل بدون شكوك.
تتطلب المقتضيات جبهة وطنية صلبة موحدة فالتعبيرات الإخوانية هنا سلاح أساسي في المواجهة والتصدي ليس بحكم الحضور الشعبي فقط، ولكن بحكم الإطار الأيديولوجي العقائدي الذي يمكنه أن يتحول بعد حسن التنظيم والتأسيس لشراكة منتجة إلى أسلحة في يد الدولة تساهم في تقويتها وتصليبها خلافا لأنها تعزز الأمن والاستقرار الداخلي إذا ما قرر العدو العبث أو التلاعب. لا نملك كلنا ترف الانتظار.