اعتقال نشطاء مخيم البقعة الأردني… و«فيتو» على فعاليات «حارات الإخوان»: لماذا وما هي الرسالة «الأعمق»؟
الداخلية لا تريد «لبيك يا أقصى» في حي نزال وشتائم ضد البحرين «ممنوعة»
عملياً تريد وزارة الداخلية الأردنية أن تقول بأن «شيئاً لم يتغير» في معادلة التساهل أو التشديد عندما يتعلق الأمر بالوضع الداخلي، وتحديداً بنشاط الإسلاميين أو نشطاء الجبهات الفلسطينية في ساحة المخيمات، بالرغم من كل الضجيج حول «صفقة القرن» والموقف السياسي.
الجميع في الحالة الداخلية الأردنية يحاول مهاجمة قرارات محافظ العاصمة سعد شهاب، باعتباره الجبهة التي يمكن اتهامها ببساطة وبدون كلفة كلما منعت فعالية أو لم يصدر ترخيص لنشاط أو اعتصام.
يحصل ذلك رغم أن المخضرم شهاب، وهو أحد أقدم أركان الحكام الإداريين في النهاية، يمثل وزارة الداخلية ويمتثل لتعليمات وزيرها سلامة حماد، وبكل الأحوال يلتزم عندما يحجب ويمنع ويستخدم صلاحياته بموقف «الدولة الأمني».
مساء الخميس كان المحافظ شهاب حاضراً في بيان لحزب جبهة العمل المعارض تحدث عن منع مهرجان جماهيري أو عدم السماح به في منطقة حي نزال الشعبية بوسط العاصمة عمان تحت عنوان «لبيك يا أقصى». المنطقة التي حظر النشاط فيها شعبية ومزدحمة جداً ومن معاقل الإخوان المسلمين. الأهم أن التقدير الأمني الذي نفذه شهاب بأمر من وزير الداخلية كانت له علاقة بمنع نشاط «غير مبرر» في ضوء موقف الدولة من صفقة القرن وتداعياتها، والأهم اعتباره نشاطاً لأغراض «انتخابية» ولا علاقة له بالمسجد الأقصى، بدلالة أن الإسلاميين الأسبوع الماضي سمح لهم بتنظيم مسيرة شعبية ضخمة في وسط عمان يمكن ضبطها أمنياً بدون وجود مبرر للانتقال للأكتاف والأطراف في العاصمة، خصوصاً الشعبية المزدحمة.
حسابات المربع الأمني هنا تحاول التفريق بين موقف سياسي ونشاط جماهيري في منطقة تقبل السيطرة وبين محاولات الاستثمار السياسي في موجة صفقة القرن وتوابعها، مع أن حزب الجبهة عبر عن استغرابه رسمياً برفض ترخيص فعالية حي نزال في الوقت الذي تتفق فيه مع موقف الدولة الرسمي.
في مسألة القدس والمسجد الأقصى ثمة نشاطات في الماضي سمح بها للإسلاميين. لا بل يتم تصنيفهم سياسياً الآن كشركاء للدولة في مواجهة تداعيات صفقة القرن، علماً بأن موقف الدولة العلني تنازلت عنه عندما قررت المشاركة في مؤتمر البحرين الأخير وفقاً لقادة أساسيين في الشارع، من بينهم النائب عبد الله العكايلة والنقابي ميسرة ملص. الإسلاميون قدموا في البرلمان مذكرة لحجب الثقة عن حكومة الرئيس عمر الرزاز.
ووزارة الداخية تقول ضمنياً بأن حزب التيار الإسلامي المعارض لا يستطيع التصدي لمحاولة حجب الثقة عن الحكومة، وفي الوقت نفسه الحصول على «دلال أمني» بترخيص كل النشاطات التي يريدها، خصوصاً وأن الموسم الانتخابي على الأبواب وقد يبدأ مبكراً. طبعاً، مثل هذا المنطق الأمني يمكن مناقشته والاعتراض عليه ويظهر مجدداً بأن المربع الأمني يؤسس لمفارقات غير مفهومة أيضاً من خلال «منع أو قمع» نشاطات في الشارع تحت عنوان قصف صفقة القرن وبصورة «منفصمة» تماماً عن الموقف المرجعي الملكي وموقف الدولة ضد الصفقة المشبوهة.
بكل حال، ثمة غرفة قرار أمني تحاول أن لا يستثمر التيار الإسلامي، تحديداً المناخ، لتعزيز حضوره الشعبي في الشارع عشية انتخابات عامة يتحدث عنها الجميع. والدولة هنا تجازف بتهمة «الانفصام» في الموقف.
لكن الأهم أن المستوى الأمني الذي تعبر عنه في المحصلة دوائر الحكام الإداريين في وزارة الداخلية يريد القول بأن الأحوال لم تتغير بالرغم من صفقة القرن عندما يتعلق الأمر بضبط الإيقاع الداخلي.
ومع وجود تيار شعبي عارم ضد مؤتمر البحرين وصفقة القرن وتوابعهما فإن التذكير بوجود ضابط إيقاع أمني يقدر ويقرر ويحجب ويسمح ويمنع، مفيد عملياً. وتقدم الغرفة الأمنية برهانها الأهم من خلال اعتقال ثلاثة نشطاء حصرياً من مخيم البقعة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينين في العالم.
لافت جداً هنا أن المعتقلين الثلاثة أوقفوا وحولوا فوراً إلى محكمة أمن الدولة بتهمة «تعكير صفو العلاقات مع دولة صديقة»، وتتهم السلطات هؤلاء الثلاثة، وهم من أبناء التنظيمات الفلسطينية عملياً، بإطلاق عبارات شتامة بحق دولة البحرين.
هذا الإجراء تحديداً «فصم» أصحاب الرأي والتحليل؛ لأن الجميع كان يفترض أن الدولة الأردنية ينبغي أن تستثمر في موقفها ضد ما يخطط ضدها في البحرين وواشنطن بورقة اللاجئين الفلسطينيين من رعاياها.
لكن الفيتو هنا على نشاط «فصائلي» أو حتى «فتحاوي» أو شعبي في أوساط المخيمات أكبر بكثير من أي إمكانية لإنكاره، بدليل التحويل الفوري لمحكمة أمن الدولة لأبناء مخيم البقعة الثلاثة.
يقول الفيتو المشار إليه بوضوح بأن صفقة القرن المرفوضة رسمياً وشعبياً لم تصبح بعد «خطراً محدقاً» على النظام والدولة حتى يدفع باتجاه تغيير «قواعد اللعبة» في المخيمات تحديداً، فالمعطيات الواردة من المنامة تؤشر على مؤتمر عبثي واستعراضي وفاشل. الأهم أن السلطة المركزية أمنياً تقول لجميع الأطراف بالساحة المحلية إنها لم تقرر بعد التجاوب مع دعوات الاستثمار في ورقة الديمغرافيا والمخيمات في المملكة، أو أن الأمور لا تستحق بعد هذا التغيير الدراماتيكي في موقف الدولة الصلب.
لسبب لم يتضح بعد لا يوجد جواب رسمي وأمني متاح على سؤال الزاوية المحرج: ما دامت الدولة الأردنية ترى في صفقة القرن خطراً عليها.. لماذا لا تطلق العنان لأنصار حق العودة في مخيمات أكبر كتلة لاجئين فلسطينية موجودة في الشتات؟
السؤال صعب ومحرج.. والجواب عليه أصعب.