الأردن: تكامل اقتصادي مع العراق واقتراب من «الوساطة الكويتية» نفتاح أكبر على دمشق و«تهدئة» مخاوف طهران
مباشرة بعد حديث الملك عبد الله الثاني عن تحفظ بلاده بشأن اعتبار التصدي للنفوذ الإيراني أولوية مطلقة لمؤتمر وارسو، سارعت حكومة عمان لبث روح إيجابية في الأفق المحلي تحت عنوان السعي إلى «تكامل اقتصادي» متين واستراتيجي بين الأردن والعراق. تلك لهجة جديدة تماماً ترفع المعنويات ومنسوب التفاؤل، لم يتجرأ بيان رسمي أردني على ذكرها منذ عام 2002. ومسألة مثل التكامل الاقتصادي بصرف النظر عن تكبير حجرها وصعوبة واقعيتها، تنتمي في الأدبيات السياسية والشعبية الأردنية إلى عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
بكل حال، حرص الأردن على شرح موقفه بالتفصيل عندما يتعلق الأمر بأجندة مؤتمر وارسو المفتتح رسمياً أمس الأربعاء، فبعدما أبلغ الملك شخصياً نخبة من المحللين والإعلاميين بأن الأولوية لإحياء عملية السلام ولإنصاف الشعب الفلسطيني برأي بلاده، وليس لافتعال صراع إقليمي جديد مع إيران، حرص وزير الخارجية أيمن الصفدي على تذكير الجميع بأنه يشارك في مؤتمر وارسو دون أن تغير بلاده موقفها المعلن لا على صعيد المسألة الإيرانية ولا على صعيد القضية الفلسطينية.
بمعنى آخر، يبرر المسؤول الأول عن الدبلوماسية الأردنية لما يسمى بالمحور الإيراني في المنطقة مشاركة الأردن بلقاء وارسو. تزامناً، يستعيد الخطاب الرسمي الأردني مقولة التكامل الاقتصادي مع العراق فجأة، الأمر الذي يوحي بأن تلك الرسائل التي تحاول لفت نظر طهران إلى أن الأردن غير معني بالتصعيد ضدها ولا ينطلق في ملفها من فكرة اليمين الإسرائيلي أو المحور السعودي، هي بالأصل رسائل تهدف إلى حماية ما أنجز من اتفاقيات مع الحكومة العراقية.
الهدف الأعمق هنا من تلك النعومة في الخطاب تجاه الملف الإيراني هو منع تقديم ذخائر لأنصار اللوبي الإيراني في البرلمان العراقي يمكن أن تعيق ما يسمى بخطة التكامل الاقتصادي. ويحاول الأردن هنا براغماتياً الاستثمار في اتجاهين متعاكسين تحت عنوان تحييد الشغب الإيراني على مصالحه في العراق وسوريا واستثمار اللحظة التي قررت فيها الإدارة الأمريكية تقديم رعاية سياسية خلفية قوية للمقترحات المعنية بالتنويع الاقتصادي بين الأردن والعراق.
تلك في كل حال لعبة التنويع للمصالح والبوصلات أردنياً تبقى محفوفة بالمخاطر، خصوصاً مع الصعوبات المعقدة التي تعترض اليوم تطبيع العلاقة بين عمان وولي العهد السعودي المتهور الأمير محمد بن سلمان.
في الأثناء، يغازل الأردني وبصورة غير مسبوقة أركان الحكم السوري بالتوازي مع محاولة تثبيت الإطار المصلحي الجديد مع الحكومة العراقية، ويجتهد تحديداً رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة هنا وهو يحاول دعم مشروع الانفتاح على سوريا وزيارة دمشق بالتوازي مع القول علناً بأن كل أطياف ومكونات الشعب العراقي تدعم العلاقة الاقتصادية مع الأردن. تصريح الطراونة دعائي وترويجي ويبالغ إلى حد معقول، لكنه ينسجم مع متطلبات المبالغة السياسية الأردنية، وهي في سياق الاختبار والمجسات إلى أن تتضح المناخات أكثر في المنطقة بعد جلسات وارسو.
أما إيران فترد نسبياً على المجاملات الأردنية بتحفيزها وتشجيعها عبر: أولاً، تخفيف اعتراضات التيار الموالي لها في العراق على المصالح التجارية والاقتصادية الأردنية.
وثانياً، تجنب المقايضة القديمة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات السورية الأردنية خصوصاً وأن الرسائل التي ترد من دمشق تدعم القناعة الأردنية بأن إيران تماماً كالزوجة الشريرة في المنطقة التي يضطر الشريك لمعاشرتها بصرف النظر عن الملاحظات والنتائج. وهي الرسائل نفسها التي سعت فيها دمشق لتقديم ضمانات لعمان لها علاقة بالحرس الثوري وعملياته في الجنوب السوري، وعلى أساس أن الوجود الإيراني في العمق السوري أصبح عبئاً، لكن لا يمكن الاستغناء عنه في هذه المرحلة على الأقل وقبل الخوض في كل المقايسات والمقايضات المتعلقة بمناخ التقسيم والصفقة الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
الأردن بهذا المعنى يتحدث عن تكامل اقتصادي مع العراق وينفتح أكثر على سوريا دون الابتعاد الخشن عن الصندوق الإسرائيلي والأمريكي، وينشغل في الوقت نفسه برسائل ود ومحبة لدولة قطر تترافق مع حديث هامس عن الاستعداد برفقة الكويت لإعادة تنشيط وساطة عربية لها علاقة بخلافات النادي الخليجي الداخلي. وهي وساطة يعلم الجميع بأنه من الصعب على الأردن اقتراحها أصلاً أو الاقتراب منها بدون «غمزة إماراتية» وكذلك بدون حماسة كويتية.
يعتقد الأردن اليوم بأن توفير الحماية الأمريكية لدعم مصالحه في العراق والانسحاب العسكري الأمريكي من سورية والإصرار السعودي على تجاهل مشكلات الاقتصاد الوطني.. عناصر تدعم استراتيجية العودة للحراك الإقليمي والدولي والبحث عن الذات في إطار تنويع الخيارات والبقاء في حالة حديث متوازن قدر الإمكان حتى مع جميع الخصوم والفرقاء.