الأردن عشية «وارسو» يسير في الاتجاه المعاكس لـ «التصعيد ضد إيران» ويعارض حضور السلطة الفلسطينية
إشارتان ملكيتان يمكن الاعتماد عليهما في بناء تصور سريع لموقف الأردن من مؤتمر «وارسو» الوشيك والأجندة الجديدة للإدارة الأمريكية بخصوص أكثر القضايا إلحاحاً في المنطقة.
الإشارتان صدرتا على هامش لقاء الملك عبد الله الثاني مع نخبة وصفت بأنها تضم إعلاميين ومحللين على أمل الارتقاء بمستوى وتركيبة من تخاطبهم لقاءات الانفتاح الملكية الأخيرة التي أعلن الملك أصلاً أنها ستتواصل.
عمان تشارك لكن مع تخفيض مستوى التمثيل وملاحظات على محمد بن سلمان
في الإشارة الأولى يمكن الرهان على أن الأردن مرجعياً يتحفظ وبشدة قد تصل إلى حد الاعتراض على اعتبار الأمريكيين لأن الأولوية القصوى إقليمياً هي التصدي لإيران ونفوذها في المنطقة. وقالت عمان وبوضوح وخلف الكواليس والستائر بأن الأولوية الأساسية ينبغي أن تكون عملية السلام والقضية الفلسطينية، بمعنى حسم الصراع والسماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وقالت بوضوح حتى للسفراء الغربيين فيها قبل التفاعل مع سلسلة من المنتديات الدولية بأن المنطقة في التقدير الأردني المركزي لا تحتمل مواجهة عسكرية جديدة مع إيران، في الوقت الذي يتواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي وتتراجع فيه إلى حد خطير وكبير عملية السلام.
في حساب صانع القرار الأردني، هنا لا يتعلق الأمر بمجاملة الإيرانيين بقدر ما يتعلق بالأهمية القصوى للعودة إلى طاولة المفاوضات المرتبطة بالقضية الفلسطينية وتجنب إلزام الجميع بأجندة جون بولتون وبنيامين نتنياهو، خصوصاً في مسألة التطبيع مع دول المحور السعودي.
يبدو أن هذه الرسالة قيلت بوضوح على هامش اللقاء الملكي الأخير، وصدرت توجيهات بتبنيها لوزير الخارجية النشط أيمن الصفدي، الذي استضاف خلوة البحر الميت السداسية ثم شارك في لقاء بروكسل ويتهيأ للقاء وارسو مع كل الغموض الذي يحيط بالأجندة والأهداف غير الملموسة.
الأردن في كل حال سيشارك في وارسو، لكن مستوى تمثيله قيد النقاش، فالمؤشرات الأولى ترجح احتمالية غياب الملك شخصياً وحضور الوزير الصفدي فقط، وهي مسألة إن حسمت تظهر مستوى وحجم التحفظ الأردني على جدول الأعمال. طبعاً إصرار المؤسسة الأردنية على أن التصعيد مع إيـران ينبغي ألا يكون أولوية، ورسـالة باطنـية لطهران أيضاً التي تلهث وراء أي اختراق من أي نوع للجبهة الأردنية المـضادة لها. وهي رسالة تكتيكية في الوقت نفسه، تهدف إلى تخفيف الشغب الإيراني داخل البرلمان العراقي على سلسلة الاتفاقيات التجارية والحدودية والنفطية المهمة التي وقعها مؤخراً رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز مع نـظيره العـراقي عادل عـبد المـهدي.
ولم يعد سراً بأن هذا النمط المستجد من التفكير الأردني يناكف ويعارض، وبوضوح أشد من أي مرة سابقة، الاتجاه العلني لبوصلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يحظى في أروقة المؤسسات الأردنية اليوم بحصة وافرة من الملاحظة والانتقاد والشعور الذاتي بخذلان الأردن، لا بل المزاحمة على دورها في القضية الفلسطينية أحياناً.
بمعنى آخر، الهمس الأردني المتعلق بتحضيرات مؤتمر وارسو، وعندما يتعلق الأمر بالملف الإيراني، هو في منظوره العميق رسالة احتجاج ضمنية تكرس القناعة بأن الأردن قرر استراتيجياً، ولكن بهدوء ونعومة شديدين، الاستمرار في الزحف بعيداً عن العباءة السعودية المتهورة، الأمر الذي يبرر استرسال الحديث عن تهور القيادة السعودية حتى في بعض الاجتماعات المغلقة للنخب الأردنية.
بكل حال، يبحث الأردن عن مصالحه اليوم بطريقة مرضية للرأي العام، سواء عندما يتعلق الأمر بالانفتاح أكثر على تركيا أو بتبادل الرسائل مع نظام الرئيس بشار الأسد، أو بتنمية الاتصالات مع قطر ومغازلة إيران مع الاحتفاظ بالسقف العربي في نقد محاولات تدخلها.
هنا حصرياً، وفي سياق هذا التفاعل التكتيكي، وضع الأردنيون إشارتهم الثانية الموازية عبر دعم الخيار الفلسطيني الرسمي القاضي بعدم جواز حضور السلطة الفلسطينية لمؤتمر وارسو الذي يشكل في المحصلة النهائية، حتى بتصور المطبخ الدبلوماسي الأردني، نقطة لقاء بين اليمين الأمريكي المتشدد الجاهل بالمنطقة وبين اليمين الإسرائيلي المنفعل الذي يؤسس لافتعال مواجهة عسكرية مع إيران. وهي مواجهة ستؤدي، إن حصلت، وفي قناعة سياسي رفيع المستوى من وزن الرئيس طاهر المصري، إلى المساهمة المنتجة في تصفية القضية الفلسطينية لحساب اليمين ونظرياته إسرائيلياً، وبصورة تهدد بالنتيجة مصالح الدولة الأردنية.
تتصور عمان في هذا المحور بأن حضورها كطرف ملتزم باتفاقية وادي عربة للسلام ينبغي ألا يشكل ضغطاً على السلطة الفلسطينية حتى تشارك هي الأخرى بغرفة وارسو، لأنها سلطة تحت الاحتلال. وبالتالي برزت لأول مرة تقريباً إشارات أردنية تدعم مقاطعة رام الله لاجتماعات دولية مثل نسخة وارسو.