الرزاز في مواجهة نمطية «سري للغاية» والأردن بعد «لائحة اتهام» في مواجهة «مراسلين» لا يمكن ضبطهم
انفعال وطوارئ واتصالات مسجلة على طريقة وثائقيات «الجزيرة»
تبدو «التقاطة» مشوشة تماماً لكل الأطراف… برنامج وثائقي بثته فعلاً مساء الخميس فضائية «الأردن اليوم»، وتظهر تماماً في مقدمته الدعائية صورة لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وضمن «كلاشيه دعائي» على الطريقة الأمريكية مع عبارته الشهيرة..«لا حصانة لفاسد».
المسألة لها علاقة مباشرة بملف عرض باسم «ملف الطنيب» ويعود لعام 2007، عندما كان الرزاز مديراً لمؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث «الحبكة» في البرنامج المشغول برفقة كل المؤثرات المحتملة تقول رسالتها بأن قطعة أرض اشتريت وبيعت في عهد الرزاز ضمن «صفقة مشبوهة» عندما كان مديراً للضمان الاجتماعي وبأعلى من سعرها.
طبعاً، لا يمكن معرفة الأسباب التي دفعت فضائية «الأردن اليوم» لملاحقة هذا الملف تحديداً، مع أن الأرشيف والحاضر يحفلان بملفات مماثلة.
بكل حال، «غابت» عن مجمل حبكة البرنامج المثير الرواية التي قالها الرزاز علناً أمام كاميرا المحطة التلفزيونية نفسها، التي تقول بأن المسألة برمتها خضعت للتحقيق ولا علاقة لها بـ «مدير الضمان الاجتماعي» آنذاك، بل بمجلس مختص بإقرار استثمارات الضمان الاجتماعي، صلاحياته عابرة للمدير.
أراد الرزاز في ذلك التصريح الانفعالي أن يقول الحيثيتين، وهما خضوع الملف للتحقيق في وقته، وعدم وجود صلة مباشرة بينه وبين قرار اتخذه مجلس استثمارات الضمان الاجتماعي وليس مديره العام.
مفصلان منح الرزاز الحق في الإشارة إليهما من باب الحقوق المهنية.
لكن عند «تقميش وتفصيل» الإشارات الفنية والمهنية وطريقة العرض للحيثيات، بدا واضحاً أن الهدف «المشاغبة على الرزاز» أو تأسيس انطباع سلبي عنه لدى الرأي العام بأنه لم يكن مشتبكاً مع قضية فساد في عهده. الثابت في الحالة الأردنية أن الرزاز يمكن قول أي ملاحظة سلبية عليه أو على أداء حكومته وضعفه وضعفها وكثرة كلامها العمومي الذي لا يطبق.
في المقابل، ثمة وقائع لا تسمح بضم الرزاز لنادي التشكيك بالنزاهة الذاتية أو لفريق المتواطئين مع الفساد… تلك تهمة تحتاج إلى مادة تتجاوز بكثير ما يمكن أن يقدمه برنامج واحد.
طبعاً، لا تريد فضائية «الأردن اليوم» الإبلاغ بالأسباب التي دفعتها لهذا «التقميش» الفني، ولوضع الرزاز وحكومته «هدفاً» سيبقى مشروعاً مهنياً بكل الأحوال، مع أن الرزاز سجل موقفاً إيجابياً علناً في وقت سابق عندما أصدر توجيهات بالإفراج عن مراسلة ومالك المحطة نفسها بعد اعتقالهما إثر دعوى شخصية تقدم بها مدير عام قوات الدرك الجنرال حسين حواتمه.
في كل حال، ما فعله التسويق المقصود والمكثف لبرنامج «يتهم الرزاز» خصوصاً على منصات التواصل، وبعد «النبش» في أوراقه القديمة، هو إشارة إلى أن المقصود – على الأقل من قبل المحطة – وضع الرجل «أمام المجهر» وبآلية تضمه للتشكيك بالنزاهة.
وتلك مهمة لا تستهوي محطة تلفزيونية فقط أو شبكة إعلامية أو مراسلين، بقدر ما تستهوي مراكز قوى متعددة في الدولة وخارجها وفي النخبة والمجتمع، مع أن استهداف محطة «الأردن اليوم» تحديداً أصبح من الثوابت عندما يتعلق الأمر بمراكز قوى تعارض الرزاز وتتدخل بكاميرا الفضائية المستقلة نفسها في الوقت نفسه.
بمعنى آخر، إظهار وجه الرزاز وتصريحه في مقدمة وثائقي يتحدث عن فساد خطوة فنية ومهنية مشروعة لكنها مقصودة، للرد على «جهات» ترى المحطة أنها تضايقها وتستهدفها مع أنها جهات عابرة للرزاز والحكومة.
في كل حال، يتحمل الرزاز مسؤولياته الأدبية هنا نيابة عن «الدولة» التي تحاول بعض أجنحتها تقليص مساحات حرية الكاميرا.
وفي لقطة سابقة، بدا أن الرزاز منفعلاً وأميل لتقديم جملة غاضبة لمراسلة المحطة الصحافية النشطة هبة أبو طه، وهي تصطاده بالكاريدور على هامش أحد المؤتمرات لتسأله عن «ملف أرض الطنيب».
والسبب السياسي للانفعال واضح ولا علاقة له حصرياً بما قاله الرزاز عن «الكف عن جلد الذات»، أو ضرورة طرح أسئلة تدعم إيجابية مؤتمر لاستقطاب الاستثمار، بل له علاقة بالطريقة الفوضوية التي يقرر الرزاز عبرها، وبعيداً عن القنوات والفلاتر المختصة في مقر رئاسة الوزراء، تأسيس مبادراته الإعلامية واشتباكاته التواصلية مع طريقته في «تقريب» أشخاص يتقمصون وظيفة الإعلام الجديد، ويثق بهم رئيس الوزراء، ويتحدث مع قنواتهم أكثر من حديثه مع غيرهم، حتى داخل الدولة.
اللقطة النادرة التي ظهر فيها الرزاز منفعلاً لأول مرة كانت ثمرة لنمطية الرئيس في «التواصل والاتصال»، خصوصاً مع وسطاء إعلاميين بدأوا يتحدثون باسم الحكومة ورئيسها أكثر من الدكتور الرزاز نفسه.
لكن على الواجهة الفنية، يمكن القول بأن برامج «لائحة اتهام»، فنياً وبطريقة ذكية تلتف على القانون دون مغادرة أخلاقيات العمل الصحافي والمهني، فتح المجال أمام تحديات أكبر الآن، ومستقبلاً لكل الحكومات المتعاقبة، حيث مراسلون شباب وجدد «فدائيون قليلاً» ولديهم «نفس طويل» وخارج سيرة إيقاع المستوى الأمني.
هنا رصدت، وعلى طريقة وثائقيات الجزيرة، «أفكار جديدة» بالعمل المصور، حيث كاميرا تقتحم فجأة دائرة لتسجيل الأراضي وتشتبك مع مديرها وتطرد مراسلتها من مكاتب حكومية، وحيث اتصالات هاتفية «يتم تسجيلها» تقنياً وتتحول إلى «مادة متلفزة» على طريقة «سري للغاية» التي تنمو فيها العبارة ويتقزم الدليل.
تلك مرحلة لا يبدو أن الرزاز وغيره جاهزون لها بعد.
لكنها ستفرض -لا ريب- بصماتها، ولا يمكن حكومياً مواجتها بـ «سماسرة» مواقع وإعلام اجتماعي هنا وهناك، وإن كان البرنامج المشار إليه قد خالف في المحصلة بعض «قواعد الإعلام الشفاف والمهني» وهو يتحمس لإظهار القدرة على «مطاردة» شخصية هادئة مثل الرزاز لا تحظى بأي غطاء عشائري أو جهوي أو سياسي، وأحياناً أمني.