المعارضة الأردنية… «ممنوع» السؤال
المرحلة صعبة ومعقدة وقد يكون من الصعب مطالبة النظام والدولة بالتصدي للقادم وللضغوط بنفس الوقت الذي يشغلها فيه المناكفون والمعارضون في قضايا من النوع «الذي يمكن تأجيله» ولو قليلا
الحديث عن ما حصل مع المعارضة الأردنية السيدة هند الفايز يقود إلى مساحات لا يريد أحد في المملكة الاشتباك معها بسبب حساسية دلالاتها.
وأي حديث بالمقابل عن عودة الأستاذ أحمد عبيدات السياسي والقانوني والأمني المحنك لواجهة العمل العام بعد غياب «طوعي» لسنوات أيضا يقود إلى نفس المساحات التي تفضل ثقافة الأردنيين عدم التحدث عنها.
يغيب رجل مقدر من وزن عبيدات بين المواسم ويطل بين الحين والآخر.
وفي الوقت الذي يستطيع فيها اي اردني سؤال السلطة ورموزها عن أي ملف أو موضوع لا أحد يتجرأ على سؤال عبيدات عن موسمية الحضور والغياب.
ولا أحد بالمقابل يسأل: أين تختفي السيدة هند الفايز أو «كنداكة» الأردن كما توصف بين موضوع وآخر أو بين ملف وآخر؟.
أي سؤال استفساري واستفهامي بعيد عن الاستنكار يوجه لمعارض وطني من وزن الأستاذ الفاضل ليث شبيلات حول ظهوره مرة وغيابه مرة يورط صاحبه في كل أصناف الاتهامات المعلبة وأقلها تأثيرا شراء القلم والسائل من قبل «شبكة الفساد».
أيضا صعب على أي باحث علمي أو مراقب توجيه أسئلة محددة لمعارضين من وزن الفايز أو عبيدات فصدر المعارضة ايضا «ضيق وشكاك ومرتاب».
الأفراد في الأردن ـ أي افراد ـ في الموالاة او المعارضة ميالون للتشكيك ولا يحبون الأسئلة والاتهام جاهز ومعلب عند اي محاولة للعودة للماضي.
استفزني على نحو أو آخر تورط السلطة بدون ذكاء في كمين السيدة هند الفايز مؤخرا وليس العكس وآخر مرة شاهدت فيها «زميلتي ودفعتي» السيدة الفاضلة بعد التخرج كانت على أدراج وزارة الإعلام.
كان لقاء عابرا بإمتياز وله علاقة بمراجعات تراخيص تخصني وتخصها.
منذ ذلك الوقت ـ أي من ربع قرن ـ لم نتقابل ولعلي أقر هنا بأني حرصت على ذلك طوال فترة الاشتباك بين ما هو صحافي ومهني وما هو سياسي وخبري ولم تحرص الزميلة السابقة البرلمانية والمعارضة اللاحقة بدورها على العكس.
لا أذيع سرا إذا قلت إن طريقة وخطاب السيدة «أم صخر» حتى في المعارضة لا تعجبني.
ولا أذيع سرا كبيرا إذا قلت إن إتهام شبيلات لأي شخص يستفسر أو يلاحظ عليه كان دوما من عناصر الإثارة بالنسبة لي والتي تقول إن المعارض الفرد في بلدي لا يستطيع تقديم أنموذج مناقض للسلطة في مسألة «قبول الرأي الآخر» وهو قول ينطبق على قادة الإخوان المسلمين قبل غيرهم طوال الفترة التي سبقت ما يسمونه الآن بـ«المراجعة».
طبعا إعجابي أو عدمه هنا لا يضيف شيئا خصوصا وأن السلطة تعبر عن نفسها بصورة «أسوأ» بكثير دوما.
لكن في كثير من الأحيان أشعر بإستقرار تقاليد «عائلة المعارضة» حيث شخصيات لا ترى إلا ما تراه ولا تؤمن بالاختلاف وتميل إلى «تشويه» وفي بعض الأحيان «إتهام» الرأي الآخر.
ولا تسهر على «التوافق» وتتميز بـ«الفردية والشخصنة» ولديها دوما «ما تخفيه» عن أي شركاء مفترضين والأهم مثلها مثل رموز «الولاء السام» تماما «تستثمر» في القبيلة عند اللزوم.
أوجه الشبه بين الموالاة والمعارضة في الأردن من الصعب «إخفاؤها» وفي غالب الأحيان لا زلت اشعر أن هذا الشعب العظيم «مبتلى» بكل نخبه في المعسكرين.
وذلك بالرغم من تقديرنا لجميع التضحيات الشخصية والمصلحية التي تقدمها شخصيات بارزة في المعارضة لعلها تفتدي الوطن والناس حتى وهي تخطئ بالوسيلة والتقنية وتتقدم في كلمة «لا» في وقت يسيطر فيه قطيع الـ»نعم» على الغالبية من متعاطي الابتزاز المناكف والشأن العام.
لا يمكن إلا تقديم الاحترام لجرأة شخصيات من طراز الثلاثي المشار إليه خصوصا وأنهم الأقرب لو أرادوا لكل أصناف نعيم الانضمام للقطيع.
لكن العيب في الوسائل والقدرة على الاستقطاب وتقنيات التواصل والاحساس العام باحتكار الحق والحقيقة وإدعاء تمثيل «كل الناس».
أتصور دوما أن «أي معارض» مثل «أي صحافي»عليه أولا ـ أن «يحذر» الكمائن التي لا تورطه بها الدولة، وثانيا أن يؤسس للجمهور مسافة آمنة وفاصلة توضح للمواطن العادي «خلفية أي إشتباك» بتمايز يفرق ما بين «ردة فعل شخصية أو مصلحية» وردة فعل من «أجل الوطن».
ثمة مسائل لا تدخل في القياس.
لكن عند المقاربة لابد من استنكار والقول بـ«عبثية» طبيعة الاجراءات التي إتخذت ضد حراكيين مؤخرا خصوصا وأن التصعيد على جبهات العشائر- وصفة آمنة للاستقرار العام وتخدم «هيبة الدولة» عبر المساس بـ«هيبة المجتمع والعشيرة» على نحو «مراهق وجزافي» وقد يخلو من «المهنية».
الرسالة واضحة: القبيلة ليست موحدة خلف من يثقب الأسقف من أولادها و«التنويع الأمني» وارد والدولة بين يديها «خيارات» في حال الإصرار على التصعيد والعلاقة قد لا تبقى «صفرية» على حد تعبير الصديق زكي بني أرشيد بين «الهيبتين».
المرحلة صعبة ومعقدة وقد يكون من الصعب مطالبة النظام والدولة بالتصدي للقادم وللضغوط بنفس الوقت الذي يشغلها فيه المناكفون والمعارضون في قضايا من النوع «الذي يمكن تأجيله» ولو قليلا.