المقاومة في غزة تراكم شعبياً وتكسب بعض الليبراليين في الأردن
دعاة «السلام والتكيّف» خائفون ووصفة المعشر أنموذجاً
عمان ـ «القدس العربي»: طبيعي جداً أن يثير في الوقت الحرج الحالي وفي عمق المشهد الاجتماعي والسياسي الأردني تعليق لشخصية خبيرة من وزن الدكتور مروان المعشر جدلاً عندما يتعلق الأمر بآفاق حل للقضية الفلسطينية، لا بل بالآفاق المتاحة على الطاولة اليوم لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
ظهر المعشر في ندوة شهدتها عمان، السبت، حاول فيها شرح أسباب انغلاق الآمال بحل الدولتين، متوقعاً أن الرسالة التي يبعث بها المجتمع الدولي ضمناً الآن في ظل العدوان هي تلك التي تقول إن «الخيار الوحيد المتبقي هو المقاومة المسلحة».
طبعاً، أشاد المتحدث بـ«الصمود والمقاومة» والتقط فوراً عضو البرلمان السابق والناشط السياسي طارق خوري، المعادلة المستجدة باصطياد عبارة المعشر وإشارته لـ «المقاومة المسلحة» كخيار وحيد الآن لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.
ورغم أن عملية الاصطياد هنا سياسية بامتياز ولا تعكس السياق المباشر لما كان يحذر منه أو حتى يقصده المعشر، فإن ما قيل وما ظهر في ندوة السبت التي نظمتها جمعية الشفافية الأردنية وتحدث فيها عبر تقنية «زووم» أيضاً الدكتور مصطفى البرغوثي، أثار مجدداً النقاش بعنوان «ذلك الجدل المكتوم» الذي لا يعجب الرسميين عموماً حول فكرة تقول إن ماكينة الإحساس بالمخاطر في المعادلة الأردنية العميقة بدأت تزحف وتضرب كل الأوتار والأعصاب الحادة لما كان يسمى في الماضي عملية السلام. في المقابل، طبيعي القول إن هذا الانحياز المفاجئ للإيقاع الاجتماعي والنخبوي العام في الأردن لصالح معادلة المقاومة هو محصلة طبيعية لسقوط كل الأقنعة المرتبطة إما بخيار حل الدولتين أو حتى بالدولة الواحدة أو بعملية السلام نفسها.
الإيقاع الذي شغل العشرات من الشخصيات الأردنية البارزة التي تجمعت في مقر غرفة الصناعة مساء السبت، كان ذلك الذي يكشف مجدداً عن قناعة راسخة وسط عموم النخب الأردنية بأن يمين إسرائيل وما يفعله اليوم حرفياً يهددان المملكة بدون التباس أو غموض.
لا لـ«التكيّف»
والأهم، أن ذلك الرأي الذي يؤمن اليوم بأن مرحلة التكيف مع مسارات اليمين الإسرائيلي انتهت، بات يزحف بوضوح شديد في عمق المعادلة الأردنية، وبأن العديد من الشخصيات التي لا تزال تضرب بوتر عملية السلام والمفاوضات في تحقيق المصالح الأردنية تبدو مضطرة للتواري عن الأنظار، ولا حجج أو ذرائع لها لإعادة ترويج الوهم القديم، علماً بأن المعشر قد يكون منذ سنوات أول سياسي خبير أبلغ مبكراً وعبر «القدس العربي» وعدة مرات، عن ذلك الوهم داعياً مؤسسات القرار الأردني لإعادة قراءة الوقائع.
لا أصدقاء حقيقيين اليوم في عمان للتيار الداعي إلى «التكيف» ولا حلفاء للنظرية الواقعية لديهم الجرأة على مخالفة التيار الشعبي العارم الذي يرفع شعار المقاومة ودعمها فقط بالتوازي مع سلسلة من التصريحات الرسمية التي تؤكد عمق المخاوف الأردنية سواء على لسان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أمس الأول، أو قبل ذلك على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي الذي تحدث بصراحة أمام «القدس العربي» الأسبوع الماضي عن سلسلة من التحديات والرهانات التي تواجهها البوصلة.
دعاة «السلام والتكيّف» خائفون ووصفة المعشر أنموذجاً
يبدو أن الملفات تنفلت في سياق الحرب الإسرائيلية الهمجية على الأهل في قطاع غزة، حيث لا مجال داخل الأردن وفي عمق خارطته النخبوية للتحدث الآن لا عن عمليه سلام ولا عن اتفاقيات التطبيع، ولا عن آفاق لبناء دولة فلسطينية، ما يعيد شكل وجوهر المشهد برمته إلى تلك القاعدة التي طرحها علناً عدة مرات الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد العضايلة، وهو ينصح بأن الاستراتيجية الأساسية تغيرت اليوم، وبأن مصالح الدولة والشعب في الأردن تتطلب بناء استراتيجية جديدة قوامها التعارض والتناقض لا بل المواجهة مع ميكانيزمات إسرائيل التي كشرت وكشفت عن أنيابها.
بدا لافتاً للنظر أن أكثر من 10 مداخلات في ندوة الشفافي طالبت بإعادة التموقع والتحالف والاصطفاف مع الممانعة والمقاومة الفلسطينية، باعتبارها حبل النجاة اليتيم والوحيد الآن للحد من استئثار وهمجية مشاريع لا بل أطماع اليمين الإسرائيلي، كما سماها الدكتور المعشر.
البرغوثي تقدم ناصحاً الأردنيين بالتعامل مع الحقائق ولكن بلغة دبلوماسية ناعمة، مشيراً إلى أنه لا يعرف ما هو السبب الذي لا يدفع بعض الدول العربية للشعور بالخطر إزاء سلسلة مشاريع اليمين الإسرائيلي، ثم التحرك على أساس هذا الإحساس العارم بالخطر.
بالتوازي، بدا لافتاً للنظر أن عبارة المعشر بصفته أحد كبار الليبراليين في البلاد، المعبرة عن إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني عبر المقاومة المسلحة باعتبارها الخيار الوحيد، جذبت العديد من الأسماء والأصوات.
«لتحصيل الكرامة الإنسانية»
النائب السابق خوري، اقتنص هذه العبارة وأعاد نشرها على لسان المعشر في محاولة للفت النظر لما يؤمن به خوري، وسمعته «القدس العربي» يقول إن عنوان السبيل الوحيد لتحصيل الكرامة الإنسانية والمصالح الأردنية الوطنية هو شبك الأيادي بالمقاومة.
يزحف تيار إسناد المقاومة إلى أماكن غير متوقعة في الأردن. وبعض تلك الأماكن على صلة بمراكز ومؤسسات القرار الرسمي، وبعضها «ناصح خبير» لا يمكن تجاهله. وفقاً لذلك، يشتبك الوزير الصفدي مع التفاصيل ويقترب الأردن من قضية جنوب إفريقيا. ولم يعد زحف فكرة المقاومة وتشبيك الأيدي معها مرتبطاً ببعض الحلقات والمفاصل الشعبية فقط، لا بل بدأت العديد من دوائر النخب الوطنية والسياسية تتعامل مع المسألة على أساس أنها «استحقاق».
فكرة المقاومة قد تصبح قريباً هي الخيار الوحيد في ظل ما أعلنه اليمين الإسرائيلي عن رغبته في السيطرة على الأرض غربي نهر الأردن، كما قال بنيامين نتنياهو؛ الأمر الذي يحيي وينعش سيناريوهات التهجير من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، أو يعيد الأمور في قائمة وحزمة الهواجس السياسية الأردنية المرعبة إلى مستوى الحديث عن توريط الأردن بإدارة التجمعات السكانية في الضفة الغربية.
المقاومة تكسب المزيد من الأصوات، بما فيها أصوات دبلوماسيين معتدلين لديهم خبرة كبيرة، ورؤساء وزارات سابقون وقع أربعة منهم على الأقل على وثيقة نداء فلسطينية انطلقت في عمان من شخصيات أردنية وتطالب بتمكين المقاومة الفلسطينية وتوفير غطاء شعبي لها في الأردن وبقية الدول العربية.