تصدع وتجاذب داخل الحكومة الأردنية والرزاز يلعب بورقة «العفو العام» عشية «هندسة» تعديله الوزاري
محافظ أجنبية هربت من السوق المالية بسبب «ضريبة جديدة»
لا يمكن قياس الأثر وبالسرعة المطلوبة بعد المحاضرات التثقيفية التي خضع لها الوزراء وكبار مسؤولي الحكومة الأردنية تحت عنوان التمويل والإدارة المالية بالرغم من أهمية ووظيفة المحاضر والمدرب في هذا المجال، وهو أحد المستشارين الاقتصاديين خارج الحكومة.
عملياً، شهدت الخلوة الوزارية الأخيرة، التي قررها الرئيس الدكتور عمر الرزاز، هذا النمط التثقيفي بمشاركة المستشار الاقتصادي في الديوان الملكي محمد العسعس. الهدف بطبيعة الحال هو التماهي والتفاعل مع نقاشات البرلمان الدائرة حالياً للموازنة المالية، حيث مشروع موازنة بلغة ومرتكزات مختلفة وبنظام أولويات، حسب الرزاز. وحيث آليات رقابة ونقاش بطريقة مختلفة في التقييم والمتابعة، حسب ما قاله لـ «القدس العربي» رئيس اللجنة المالية المشرفة على نقاشات البرلمان، خالد البـكار.
في كل حال، يخطط الرزاز للإسراع في وضع أولويات الإنفاق المالي تحت عنوان التقشف وفي إطار جهده الخاص باحتواء الجدل والاحتجاج المتنامي في الشارع على سياساته الاقتصادية.
هنا برزت مفارقة من النوع الثقيل، فقد أدركت السلطتان، في التنفيذ والتشريع، بأن الالتزام الفوري ببنود قانون الضريبة الجديد يكاد يطيح بسوق عمان المالي للأسهم، حيث انخفضت عمليات التداول كما لم يحصل من قبل. وحيث خسر مستثمرون صغار وكبار نحو مليار دولار على الأقل جراء انخفاض عمليات التداول في الأوراق المالية.
والمتهم هو نص غامض ومتعدد التفسيرات في قانون الضريبة الجديد يفرض ما نسبته 10 % على عمليات المرابحة، وهو النص الذي يهدد اليوم السوق المالية بالإغلاق، حسب أكبر مسؤولي السوق، وهو رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني.
سبب انهيار التداول في سوق الأسهم هو قرار ضمني اتخذته شركة وساطة مصرية عملاقة تدير محافظ عدة لصالح صناديق ومؤسسات استثمارية عربية وأمريكية في سوق عمان، حيث لجأت هذه المؤسسة لتخفيض خسائرها قدر الإمكان عبر الانسحاب من التداول وإلغاء بعض محافظها حتى لا تجبر في استثمارات أخرى خارج الأردن على القبول بمبدأ فرض ضريبة على الأرباح.
واكتشف الخبراء في الحكومة هنا أن حالة الرعب التي دخلت فيها سوق الأسهم نتجت عن ضعف جاهزية الحكومة بإصدار سلسلة من اللوائح والتعليمات الناظمة لضريبة فريدة يؤكد الخبراء عدم وجود مثيل لها في العالم على التداول بالأسهم.
من هنا استدرك العناني وطلب من الرزاز علناً تأجيل نفاذ قانون الضريبة لعام أو اثنين، وشعر رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بحجم الإشكال عندما تبنى لاحقاً الطلب نفسه في الوقت الذي حاولت فيه الحكومة الاستدراك وإعلان سلسلة تعليمات متسارعة.
في غضون ذلك، بدأ الرزاز باقتراح معالجات تحتوي الوجبة الثالثة المتوقع أن تزداد زخماً مساء اليوم الخميس ضمن احتجاجات حملة «معناش»، حيث استقبل الرزاز نخبة من الحراكيين. هنا يلفت النظر إلى أن الرزاز طالب الحراكيين برفع يافطات تتحدث عن القضايا الوطنية .
بمعنى أن الحكومة لا تمانع الاحتجاج ضدها، وهي ورقة تكتيكية يبدو أن هدف الرزاز منها إعادة التوازن لحكومته في نطاق عملية تجاذب واستقطاب حادة رُصدت خلال الساعات القليلة الماضية داخل وفي عمق مراكز قوى أساسية في الدولة. واتجه رئيس الحكومة إلى هذا المسار أيضاً عندما صرح بعد ظهر الأربعاء، مستبقاً الخميس الثالث لحملة «معناش»، بتصريح يتحدث فيه عن قرب إصدار تفاصيل العفو العام في خطوة للتقرب مجدداً من نبض الشارع والرأي العام. لكن عندما تعلق الأمر بمطلب الحراكيين الأساسي، وهو الإفراج عن جميع المعتقلين والموقوفين منهم، لوحظ بأن الرزاز امتنع عن الالتزام والوعد، وألمح إلى إنه سيبحث الملف مع الجهات المعنية والمختصة، وهو تلميح يعني ضمنياً بأن المسألة قد تكون فوق صلاحيات الحكومة.
يحصل كل ذلك في الوقت الذي تميل فيه أوساط الرزاز الآن للاستثمار تكتيكياً وأمام الشارع في ورقة أخرى لها علاقة بالتعديل الوزاري المرتقب الذي لم تتضح ملامحه بعد. وأغلب التقدير أن الرئيس الرزاز طامح بتعديل وزاري موسع قليلاً يعكس قبل أي اعتبارات أخرى رغبته في التمسك بمبدأ الولاية العامة بعدما وجهت له اتهامات مباشرة بالتفريط بها وفي أكثر من مناسبة.
وعندما يتعلق الأمر بورقة التعديل الوزاري، لا بد من الإشارة إلى أن بعض المستجدات قد تكون من بين العناصر الأساسية في تشكيل تركيبة هذه الورقة، فالعلاقات توترت خلف الستارة بين مكتب الرئيس ووزير البلديات النافذ وليد المصري، بسبب سلسلة من الخلافات في التوجهات بين الرجلين. ويبدو ان استقطاب الوزير إلى جبهة نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر توحي بأن الرجل الثاني في الحكومة مستعد للمغادرة، وبأن الرزاز بدأ يبحث عن نائب له بمضامين سياسية قريبة من طريقته في التفكير وأخرى قيادية وتنفيذية تراكم الخبرة.
في الوقت ذاته، ثمة ما يؤشر على الرغبة الجامحة في تعيين وزير جديد للتعليم العالي، والبحث في إمكانية استبدال وزير الداخلية القوي سمير المبيضين، مع ترجيح مغادرة وزيري العمل والاستثمار الحاليين، واحتمالية انضمام اسم نسائي للحكومة بدلاً من وزيرة التخطيط الحالية.