سابقة في الأردن: تعويضات لتجار في سوق العاصمة القديمة بعد «أزمة السيول»… ماذا وراء «التحفيز»؟
عبثاً حاول عمدة العاصمة الأردنية عمان الإفلات من مطب أول سابقة في تاريخ البلاد عملياً يُتخذ فيها قرار سياسي وبيروقراطي تحت بند «التعويض المالي» لتجار في سوق عمان المدينة القديمة عن بضاعتهم التي أفسدها سيل من الأمطار.
احتاج هذا القرار إلى عملية تفاوض عنيدة وشرسة استمرت لعدة أشهر، حيث مجموعة من التجار خرجت مع محلاتها من الخدمة بسبب تجمع أمطار بصورة ثبت أنها تجمعت جراء قصور في عمليات الصيانة.
طبعاً، أدارت غرفة تجارة عمان، ممثلة لهؤلاء التجار، المواجهة باتجاه مبدأ التعويض بصلابة وحرفية طول الوقت وسط مقاومة عنيفة من المسؤولين والوزراء قبل أن يقدر رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز عدم وجود ما يمنع مبدأ التعويض نفسه.
في المحصلة، تقرر أن تدفع بلدية العاصمة مليوني دينار للتجار المتضررين من الأمطار، وتطوعت غرفة التجارة بالمشاركة في المسؤولية الاجتماعية وبأن لا تترك أمانة العاصمة وحيدة عبر دفع مليون دينار من جهتها.
فرح تجار المدينة جداً بالمشهد، وظهرت الحلويات للمارة والعابرين تعبيراً عن السرور بالقرار بعدما أعلنه رسمياً وزير الصناعة والتجارة الدكتور طارق حموري برفقة عمدة العاصمة يوسف الشواربة، وبوجود الدينامو الممثل لتجار المدينة وغرفتهم رئيس غرفة التجارة خليل الحاج توفيق.
في النتيجة، وضمن المعادلة التجارية، يحصل ذلك لأول مرة في الأردن وعلى أساس مشاركة المؤسسات الرسمية بالمسؤولية الاجتماعية.. أو لنقل هكذا قررت الحكومة توصيفه في سابقة تعويض تجار عمان حتى لا يصبح عادة أو موضة، خصوصاً في ظل فوضى الإنشاءات والمرافق والمشكلات المعقدة التي يعاني منها الوسط القديم للمدينة في مجال البنية التحتية.
محاولة مكشوفة تماماً من العمدة الشواربة برزت على هامش المؤتمر الصحافي وهو يحاول حشر قرار التعويض والموافقة عليه، منطلقاً من المسؤولية الاجتماعية وعلى أساس أن الأصل في أي تعويض هو المسؤولية القانونية. قالها الشواربة بوضوح.. التعويض هنا استثناء ولا يبنى عليه، والأصل هو المسؤولية القانونية.
تلك جملة سياسية وبيروقراطية رسالتها واضحة وتلفت نظر المواطنين والتجار إلى أن عملية التعويض هنا قد لا تتكرر، وأن ظروفاً أملتها، وينبغي أن لا تصبح أساساً للتعامل مع سلطات البلدية مستقبلاً.
يلفت التعليق أيضاً النظر إلى أن بلدية العاصمة، ضمنياً، دفعت مضطرة، والأمر ينبغي أن لا يحفز على مطالبات تعويض مستقبلاً، خصوصاً أن الأساس في التعويض المسؤولية القضائية، بمعنى اللجوء إلى القانون والقضاء في الحالات المماثلة فقط وليس تسويات على أساس سياسي أو بيروقراطي.
الأهم فنياً وديموقراطياً هو ذلك الجزء المتعلق بالاعتراف، ولو على شكل مسؤولية اجتماعية، بحصول نوع من أنواع التقصير أو عدم الجاهزية الفنية عند التعاطي مع عاصفة الأمطار تلك، حيث سبق لتقارير فنية محايدة أن تحدثت عن كمية هطول طبيعية ينبغي أن لا يغرق وسط عمان بسببها.
وثمة في الجوار تقارير أخرى تتحدث عن خسائر بالملايين لتجار عمان القديمة بسبب هطول مطري عادي ضمن معطيات فنية لها علاقة بعدم قيام جهاز البلدية الأكبر في المملكة بما يتوجب القيام به من صيانة وتنظيف عبارات المياه قبل حصول عاصفة مطرية.
في كل حال، تراوحت المواقف من كل الأطراف وهي تحاول التمسك بجزئية هنا أو هناك لإثبات حصول قصور أو نفي الإثبات في الجاهزية للتعامل مع الأمطار.
وسواء اعتبر عمدة العاصمة أن التعويض المشار إليه والمقرر انطلق من المسؤولية الاجتماعية، وهو استثناء لا يبنى عليه، أو لم يعتبر ذلك، فقد برزت آلية التعويض بقوة الآن وأصبحت سابقة.
على الأرجح أن الرئيس الرزاز مثلاً يريد الاستثمار في المبدأ لتحفيز العمل في نظام خدمات القطاع العام، خصوصاً في مؤسسة هي الأضخم خدماتياً، مثل أمانة وبلدية العاصمة عمان.
وعلى الأرجح بعد الآن أن جهاز القطاع العام سيشعر بالألم المالي وقد تتقلص مصروفاته ومخصصاته بعد الآن إذا ما ارتكبت أخطاء أو حصل قصور أو تقلصت الجاهزية.
بمعنى آخر، ثمة في بطن الحدث والمشهد – رغم صغر حجمه ومحليته المغرقة – رسالة سياسية يمكن أن تكرس قاعدة جديدة في اللعبة الإدارية، حيث العقوبة على حصول تقصير إداري خدماتي تطالب المؤسسات مالياً، وبالتالي خزينة الدولة.
تلك تبدو خطوة من الصعب أن تفهمها أو تفهمها طبقة البيروقراط الأردني في اتجاه ما حصل عندما غرق وسط عمان، ولا اتجاه أي ملفات مماثلة يمكن أن تبرز مستقبلاً؛ لأن التحفيز هنا يتمركز حول فكرة أن يقوم كل مسؤول بواجبه حقاً وفعلاً.
وإن التقصير أو القصور أو عدم الاستعداد يتطلب بعد الآن المراجعة.