عمان – دمشق: «التجاذب» بين العاصمتين يعود مجدداً ومطبات تعترض استعادة الثقة
تعود مجدداً وسط فوضى الإدارة السياسية لبعض الملفات السياسية في عمق الحكومة الأردنية صيغة «التردد» غير المبرر في إطلاق العلاقات بين المملكة وبين الجار السوري بعد سلسلة طويلة من «مصالحات الحدود» برعاية روسية وضمانات من دمشق والتزامات بترك الهوامش المختلف عليها والعمل بالتوازي على «استعادة الثقة».
وفي كواليس العلاقة التي تخفق في استعادة مناخ الثقة بين البلدين حتى الآن تقفز مجدداً إلى الواجهة قضية «الاحتياجات النفطية» التي تعهدت عمان لحظياً بمساعدة دمشق في توفيرها عبر الحدود قدر الامكان. وتوترت الاتصالات مجدداً بين الجانبين بعدما تلقت مصفاة البترول الأردنية أمراً مباشراً من المستوى الدبلوماسي يقضي بوقف عبور أي نوع من المشتقات النفطية إلى الاراضي السورية عبر الأردن، الأمر الذي يعبر في الذهن السوري عن خطوة «عدائية» غير مبررة في وقت تترتب فيه ملفات العلاقة.
الأسد طلب مساعدة بلاده في تأمين محروقات أردنية
المنقول من معلومات ومعطيات هنا يؤشر على ان وزارة الخارجية الأردنية التي تدير عملياً كل تفاصيل ملف العلاقة مع سوريا تشكلت لديها وجهة نظر تنطوي على تذكير بأن مساعدة نظام الرئيس بشار الاسد في مشكلته الجذرية في مجال المشتقات النفطية التي تحتاجها سوريا «مجازفة» دبلوماسية يمكن ان تخلط أوراق المصالح العليا للأردن خصوصاً في إطار التوازن مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة. بمعنى آخر تبدلت نوايا الأردن فجأة تجاه مساعدة دمشق في تمرير وعبور احتياجاتها النفطية عبر الحدود فقط ولأسباب سياسية هذه المرة.
طبعاً لا يشرح وزير الخارجية الأردني النشط أيمن الصفدي للرأي العام حيثيات التوصية في هذا السياق ولا يتحدث عن الموضوع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز علماً بان الملك عبدالله الثاني شخصياً كان قد قال علناً وعدة مرات أن بلاده معنية بعلاقات تجارية واقتصادية مفتوحة مع سوريا. وبكل حال ثمة نشاط نخبوي واضح للمجموعة التي تنادي في عمان بضبط خطوات التواصل مع النظام السوري وتأجيل استحقاقات التعاون خصوصاً بالمعنى الاحتوائي والاستراتيجي معه إلى حين عودة الاستقرار الداخلي. وفي المقابل التيار المنادي بفتح العلاقات على مصراعيها مع دمشق واستثمار اللحظة سياسياً وإستثمارياً وعلى رأسه رئيس مجلس النواب عاطف طراونة يواجه اليوم اختباراً قاسياً جراء تراكم التوصيات الاستشارية والدبلوماسية التي تقترح عدم الاستعجال وتبطيء عجلة نمو الاتصالات مع دمشق.
من هذه الزاوية حصرياً يمكن قراءة الجدل التجاذبي الدائر الآن في كواليس العلاقة بين البلدين على خلفية أزمة تجارة ترانزيت المشتقات النفطية حيث كان النظام السوري قد ارسل بوضوح رسائل عدة لا يستعجل فيها تطبيع العلاقات السياسية وعودتها إلى طبيعتها والتركيز على نقاش له علاقة بتبادل المصالح التجارية في هذه المرحلة.
وبعد تبادل رسائل إيجابية عدة بين القصرين الملكي في عمان والجمهوري في دمشق عبرت العاصمة السورية بصراحة عن رغبتها في تعاون الأردن معها في مجال تعويض السوق الداخلية بواردات من مشتقات نفطية بسبب أزمة المشتقات العنيفة في الداخل السوري. ومصدر في غاية الاطلاع ابلغ «القدس العربي» مباشرة أن الجانب السوري طلب من الأردني مساعدته في تأمين عبور شاحنات المشتقات النفطية التي تتمكن السلطات السورية من شرائها إما من مصفاة البترول الأردنية أو من السوق المجاور. وبمعنى آخر طلبت دمشق تعاوناً لوجستياً فقط لا غير. ووصلت للسوريين قبل نحو اربعة أسابيع رسالة تفيد بـ «لا مانع»… بمعنى ان الأردن يوافق على تأمين المشتقات النفطية للجانب السوري والتعاون حدوديا ولوجستيا قدر الامكان.
وفعلاً بدأ توريد شحنات مضمونة من المحروقات عبر الحدود مع الأردن واسترخت نسبيًا الجملة العصبية التي تحكم من عام 2011 العلاقات السياسية والامنية بين الأردن وسوريا. حصل ذلك بطبيعة الحال قبل نجاح اللوبي المناهض للتطبيع مع النظام السوري في «فرملة» المشتقات النفطية ووقف التعاون بشأنها، الأمر الذي أثار مجدداً النقاش التجاذبي القديم بعنوان التردد الأردني غير المفهوم في إطلاق مناخ الثقة بين العاصمتين بعدما أصبح الطريق بين عمان ودمشق «سالكاً» أكثر من أي وقت مضى.
ما يثير الخلاف بين البلدين كبير ومتعدد لكن دمشق تصر على ان إسرائيل هي التي تضغط على القرار الأردني وتحاول إنتاج مساحة عدائية بين البلدين وأوساط النفط السوري تتحدث عن أنصار في الأردن يعملون لصالح تركيز وتكثيف العمل في مجال تشغيل ميناء حيفا الإسرائيلي لكي يتحول لميناء «إقليمي ودولي» ولأغراض تطبيعية. وبكل حال تبقى تلك مجرد تهمة لا توجد قرائن أو أدلة عليها خصوصاً ان الذاكرة الأردنية تحتفظ بتحرشات بالجملة لا تظهر صفاء النية من الجانب السوري بعد إعادة تشغيل وفتح مـعبر نـصيب الـحدودي.