«كمون تكتيكي» في الأردن يخفف «اللهجة» ضد «صفقة ترامب» ويرفع المطالبة بجرعات «صادقة» من «الإصلاح السياسي»
صعب جداً في الحالة الأردنية ترسيم وتوصيف ثم تحديد الخطوة التالية في برنامج التعاطي مع ما يسمى بصفقة القرن المؤجلة مرحلياً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالانعكاس المفترض على خريطة النخب وهيكل ملف الإصلاح السياسي.
بوضوح شديد، وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، انحسر الخطاب الرسمي الذي يعارض بحماسة بعض ما يفترض أنها ملامح صفقة القرن، في تأشير على حالة كمون تكتيكي يبدو أنها ضرورية ليس فقط بسبب الحيرة النخبوية العامة التي بدأت تكثر من طرح الأسئلة، ولكن أيضاً بسبب الحرص على الترقب والانتظار لتأسيس موقع أفضل عند الحاجة للاصطياد والاشتباك، حيث يصر وزير الخارجية أيمن الصفدي على عدم تزويد بلاده بمعلومات رسمية عن خطة التسوية الأمريكية المؤجلة.
أقطاب المعارضة يريدون «توافقات وطنية» مرحلية تتعدى «أزمة رمضان»
وحيث موقف مرجعي متوجس يرجح، أو رجح قبل نحو ثلاثة أسابيع، إرجاء إعلان الصفقة الأمريكية إلى فترة إضافية من الوقت لأغراض التعديل والتشبيك ولإقناع دول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا على نحو خاص.
الأهم، مع تخفيض تكتيكي في الخطاب العلني الأردني رافقه تصعيد شعبي طوال الوقت، ومنذ عودة الملك عبد الله الثاني من زيارته الأخيرة لواشنطن- هو تراكم الشعور على المستوى الداخلي عملياً بغموض الأجندة والبوصلة، تمهيداً للاشتباك سلباً أو إيجاباً مع تفصيلات صفقة القرن المزعومة في حال إعلانها.
وارتفعت المعنويات الشعبية والوطنية بعد اللاءات الثلاث الشهيرة التي رفعها القصر الملكي ضد الوطن البديل والتوطين، وضد الموافقة على حسم ملف القدس. لكن تلك اللاءات الأردنية الثلاث، التي تحظى بالإجماع الرسمي والشعبي، لا تشمل- كما يلاحظ مفكر سياسي من وزن عدنان أبو عودة- التوقف أكثر وبعمق عند محطات التأمل في حال بروز تسوية بعيداً عن الثوابت من النوع الذي يمكن التحدث معها أو عنها أو حتى التفاوض.
يصر أبو عودة مجدداً ودوماً على أن المسألة برمتها لها علاقة بالزاوية التي تنظر من خلالها القوى الصناعية الكبرى المستحكمة بالقرار الدولي إلى القضية الفلسطينية أولاً وإلى الفلسطينيين والأردن والإقليم ثانياً. وبكل حال، تراجع حتى الجدل حول صفقة القرن في المنابر والأوساط السياسية الإعلامية الأردنية.
لكنه تراجع من الطراز الذي ينتج بالعادة عن حالة كمون تقررت تجنباً لأي مفاجآت أو كمائن أو مطبات، خصوصاً وأن دعوات القراءة الواقعية والتعقل وتجنب الشعبويات والحرص على مصالح المملكة بدأت تسمع وبأصوات مرتفعة في مجالس النخب وصالونات السياسة بالتلازم طبعاً مع جرعة الثقة بالذات والنفس التي تشيعها نقاط التلاقي المثيرة مرحلياً بين موقف وثوابت الدولة المعلنة وانحيازات الشعب والشارع.
في انتظار ما هو مهم من تلك التفصيلات المعنية بالصفقة إياها، تحصل خلف الستارة مراجعات بالجملة للأداء النخبوي ولأزمة الأدوات، ويرصد الملاحظون العميقون كيف يطور مركز القرار بعد توسيع قواعد المشاورات من حضوره المباشر في الإشراف على الملفات والتفاصيل. وفي الانتظار أيضاً، توصيف الخطوات التي يرى الفرقاء أنها ضرورية للتعاطي مع تداعيات المرحلة المقبلة على صعيد ملف الإصلاح السياسي حصرياً باعتـباره الوصفة السحرية المألوفة والمعتادة في النكـهة الأردنية، حـيث تلـجأ له الدولة ومراكز القرار كلما لاحت في الأفق أزمة عميقة أو كبـيرة.
وتلجأ له أيضاً كلما ازداد منسوب الاحتقان الشعبي، حيث لعبة الانتخابات والبرلمان ومقولات الشراكة السياسية وتراثيات تمثيل الجمهور والناس ومفردات قاموس الإصلاح السياسي وبرامجه وأفكاره .. كلها مفاهيم تقفز إلى السطح بالعادة في لحظات التأزيم.
ما يطمح إليه رموز المعارضة، سواء في الشارع أو حتى في عمق الحركة الإسلامية اليوم، هو إدارة أكثر نضجاً ورشداً في الانتقال إلى مستوى الاشتباك مع جرعة أقوى من العادة تحت عنوان الإصلاح السياسي.
وتأمل جبهات المعارضة والاعتراض هنا بتأسيس توافق وطني، كما يقترح المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ سالم الفلاحات، وهو يعتقد أن التوافق الوطني هو الملاذ للتوافق على تحصين الجبهة الداخلية وحتى على حماية الموقف الثابت الذي عبر عنه الملك عدة مرات بشأن القضية الفلسطينية تحديداً.
باختصار، تريد أقطاب المعارضة أن تعمل الدولة والقرار على مقاربة تخلو من الانتهازية السياسية وتندفع انطلاقاً من أهداف أعمق بكثير من مجرد العبور في الشارع وحراكه من محطة شهر رمضان الوشيك.
وعلى أساس أن الصفقة الأمريكية قد تطل برأسها على الأردنيين كما هو معلوم الآن بعد الشهر الفضيل