مال “الخليجي” و”شيكاغو” أيام زمان… تركيا “آمنة للغاية”… والأردني يسأل: كيف ننزل عن الشجرة؟
حتى اللحظة تصر محطات التلفزيون التركية على المضي قدما في إعادة بث الوثائقيات المرتبطة بمرحلة الانقلاب الموازي الشهيرة.
حتى كاميرا النسخة التركية من «سي أن أن» زارت مقابر الشهداء مجددا، ومرت الى جانب تلك المقابر، التي دفن فيها بدون شواهد أو أسماء أو حتى صلاة جنازة من قتلوا من الانقلابيين.
بحكم تكرار الزيارات لتركيا، كدت أحفظ وجوه قادة ورموز الانقلاب العسكريين تحديدا، وهم محاطون بالسلاسل، ويتم اقتيادهم إلى مكان مجهول.
محطة اسمها «ترك 5» تحديدا بثت تقريرا مفصلا عن لحظات الاعتقال وأشارت الى أن قوائم المعتقلين كانت أصلا جاهزة، وتم الانقضاض على قادة الانقلاب بسرعة وخلال ساعات.
أبلغني أحد الساسة الأتراك أن عدد البرامج الوثائقية، التي أعدت عن الانقلاب، حتى اللحظة، قد يزيد عن خمسة آلاف برنامج موجودة في الأدراج، حتى يتم انعاش العقل التركي بين الحين والآخر أن زمن الانقلابات انتهى وولى بلا رجعة.
طبعا أحترم الفكرة بكل تأكيد.
لكن في دولة مؤسسات شعارها الإسلام ومبادئ العدالة يتحدث الجميع عن نحو 90 ألف مواطن تركي على الأقل متورطين في قضايا الكيان الموازي، ويخضع معظمهم للتحقيق حاليا وآلاف منهم في السجن، خلافا لمن فصل من وظيفته ومنع من السفر، وتم المساس بحقوقه المدنية.
نصفق للرأي التركي الوازن والحريص على التجربة والبلد والرئيس رجب طيب أردوغان، والقائل إن الدول لا تبنى بالثأر والانتقام، بل بالعدل، فهو أساس الحكم والملك.
نعم، التفريق واجب بين من قاد الانقلاب، وله دور أساسي فيه وبين مواطن تركي، شاءت ظروفه السيئة أن يستغله أحد الانقلابيين أو ضم أولاده لأحد مراكزهم الصحية أو الدراسية.
نحب تركيا، ونحترم الرئيس أردوغان، ونؤمن بدولة المؤسسات، لكن العدل فعلا أعمق من الانتقام والعفو عند المقدرة.
في تركيا أيضا – كما في لبنان ومصر واليمن وتونس والجزائر والسودان – نسمع فرقاء السياسة يتحدثون عن «مال عربي وخليجي» يمول شبكات تلفزيون جديدة لأغراض وأجندات سياسية.
شاهدنا أحد المحللين على شاشة فضائية الكويت وهو يقول..«تريدون معرفة ما يجري … راقبوا أين يتجه المال العربي».
وعلى الشبكة، التي تزعم أنها تمثل «الشرعية اليمنية»، كاد مقدم أحد البرامج أن يقفز من زجاج الكاميرا، وهو يحاول اقناعنا أن أصحاب السحنة الشقراء من العسكر المحيطين بميناء سوقطرة يمنيون أصولهم تعود إلى أعرق جبال عدن، وهم خبراء يديرون عمليات نقل بحرية، رغم أن طول القامة والنظرة الحادة والحركة الرشيقة والأسلحة الفردية تدلل وبوضوح على جماعة «بلاك ووتر» إياهم. هؤلاء دخلوا الوجدان الشعبي العربي أصلا من أيام «إسقاط بغداد وصدام حسين»، قبل تخريب العراق.
أحزاب وانقلابات ومرتزقة وفضائيات وإعلام «مستأجر» ودوائر صناعة تقارير معمقة بالمال الخليجي إياه.
النفط نعمة من الله، ويحوله «بعضنا نحن معشر العرب» إلى نقمة على بقية خلق الله، والمستفيد الوحيد والحصري هو إسرائيل، التي ستتمكن لاحقا من السيطرة على كل الممرات المائية في المنطقة، بعدما نتولى نحن بالمال العربي – وللأسف – عملية التنظيف من أجل بسطار اليمين الإسرائيلي.
نصفق للرأي الأكاديمي الجزائري القائل عبر شاشة «الجزيرة» إنه ينبغي على دول الخليج الثرية أن تنشغل برفع مستوى معيشة شعوبها وباستقرار المنطقة كلها، بدلا من المساهمة في تحويل الشرق الأوسط برمته إلى «النسخة البشعة» من شيكاغو أيام المافيا الإيطالية.
تركيا وهي «آمنة»
وعلى الواجهة التركية أيضا اهتمت محطة «الميادين» اللبنانية في حلقة نقاشية، خاصة بعد التصعيد الأخير مع الإمارات والسعودية، على خلفية إعلان أنقرة اعتقال «ثنائي جواسيس»، وهو ما فعلته أيضا إخباريا قناة «تي أر تي» التركية.
بعيدا عن التفاصيل والتحقيقات والحادثة، ما نريد قوله – بمناسبة إعلان دول عربية شقيقة أن تركيا «ليست آمنة» – إني تجولت في السيارة في ربوع البلاد لستة أيام متتالية، وزرت مع أصدقاء عدة مدن، ولم أشعر لحظة واحدة أن «الأمن مفقود»، حيث لم يوقفني لا شرطي ولا شقي، والناس مبسوطة «بززاف» أو «برشا»، على رأي أشقائنا في المغرب العربي.
سؤال أردني مقلق
نختم بالمشهد الأردني، بعدما توحدت القيادة والشعب خلف دعم وإسناد القدس.
صديق محنك كنت أشاهد معه تغطية أخبار محطة «المملكة» لملف الشارع والقدس، حيث أضيئت شموع في السلط وأحرق علم إسرائيل في «بني عباد»، طرح علي السؤال التالي: موقف الشعب واضح ولا مجال للمزاودة على الأردنيين، خصوصا في مسألة القدس، لكن السؤال هو: كيف سننزل وبأي تقنية عن الشجرة في الموقف الرسمي، ما دمنا ملنا لكل الضجيج إياه؟
طبعا، سؤال محبط، ويساهم في «تهبيط» العزائم، ويعبر عن صعوبة الثقة بإنتاجية وجدوى التصعيد الرسمي.
لكن، لأعترف أمام القراء، سمعت السؤال نفسه من كل سياسي أردني أو مسؤول من شريحة «اللي فاهمين الطابق»، ومن جماعة «قراءة الواقع الموضوعي».