نيوزيلندا “تتحجب وتصلي الجمعة” وكاميرات العرب مشغولة بعناق حار مع “شبشب الهنا” و”تلصص” على “أم شهيد”
ما زلت أمقت تلك الكاميرا الفضولية التي تسترق لحظات العذاب عند أم فقدت للتو شهيدها فتحاول تسجيل سبق التصوير لصالح فضائية تلفزيونية أصلا تتقمص المهنية وتدعي الحياد وتجادل في الفرق ما بين مفردتي «شهيد أم قتيل؟».
لا أحد في الفضاء الإعلامي الكوني له الحق أن يتلصص ويتسرب لإحراج أم الشهيد مباشرة، وهي تستقبل النبأ الذي يؤذي أم انفطر قلبها للتو أو والد ينبغي أن يتفرغ لمراسم دفن ولده الشهيد.
حتى محطة يفترض أنها معنية بالشهداء، واعتادت عليهم مثل «المنار»، تسللت بعد ساعات قليلة إلى قرية فلسطينية وسجلت أول كلمات لأم شهيد وبطل عملية سلفيت «عمر أبو ليلى».
مع احترامي للجميع السؤال أوغل في الخشونة ويعاكس الخجل. ما الذي يمكن أن تقوله أم شهيد في اللحظات الأولى؟
ينبغي أن تترك كاميرات الفضائيات هذا «التلصص» المحرج وتترك للأم والعائلة قدرا من الوقت للبكاء وتقبل صدمة الفراق قبل الاندفاع المحموم لتوثيق بطولات وقصص وحكايات الموت، بدلا من قصص الاحتلال والحياة.
وبدلا أيضا من اصطياد دمعة أم شهيد حائرة للتو أو عبارة مشتتة صدرت عن والد شهيد يمكن سرد روايات أخرى أكثر أهمية: من هم الذين ساهموا في ذلك؟ وكيف تصرف «التنسيق الأمني»؟!
مثلا : ملامح غياب الخجل عن جيش الاحتلال وهو يطارد فتى «خدش العملاق» بكفاءة، وماهية البنية الأخلاقية التي تسمح لأقوى جيش في المنطقة باستعمال صواريخ «لاو» للتمكن من شاب صغير مطارد وجريح؟!
للتذكير فقط: طوال رحلة شهيد سلفيت كان العرس الوطني تماما عند الجيران بالنسبة لبعض التلفزيونات المجاورة.
تقبيل النعال
من باب المصداقية المهنية كان ينبغي على المذيع الاماراتي، الذي ظهر على الشاشة وهو يقبل «نعال سمو ولي العهد» أن يقدم لنا نحن معشر المرسل إليهم دلائل وقرائن على أن فردة الشبشب، التي تم تقبيلها تعود فعلا ملكيتها لمجموعة شباشب سموه.
شاهدت اللقطة عدة مرات وساورتني شكوك في ملكية النعال، فهي قد تكون لأي شخص آخر، بما في ذلك العامل الهندي، الذي يحضر القهوة لزميلنا عاشق النعال الأميرية.
على كل حال لا أتصور أن القيادة الإماراتية، التي يمكن الاختلاف أو الاتفاق معها في حاجة لهذا النمط من إعلام الأحذية، وبما أن صاحبنا شغوف جدا بنعال الزعماء يمكن توفير ضمانة سنوية له لكي يمارس شغفه عبر برنامج مخصص لهذا الهراء.
والوقت طبعا ملائم لنشيد أغنية: «شبشب الهنا يا ريتني كنت أنا».
منتهى… «الأم»
في المقابل لا نجد سببا يدفعني للموافقة على الحملة التي تشنها بعض تعبيرات منصات التواصل على الزميلة منتهى الرمحي تحديدا، رغم التحفظ الشديد على مجمل الأداء الإخباري للتعبيرات الاستفزازية التي تصدر عن الزملاء في محطة «العربية».
الرمحي، مذيعة وزميلة أردنية نشطة، نشرت رأيا يمثل قناعتها بأنها تفضل احتضان ولدها في أي بقعة، ولو في القطب الجنوبي، بدلا من تقديمه شهيدا من أجل أي قضية، بما في ذلك قضية فلسطين.
هو تعليق من»أم» يمكن الاتفاق أو الاختلاف معه، ليس أكثر ولا أقل، ولا يستوجب كل هذا التشكيك والاتهام لزميلة أم تفضل أن يبقى ولدها على قيد الحياة ولا تؤمن بثقافة الموت.
صحيح أن أحدا لا يستطيع المزاودة على دم الشباب الفلسطيني، صحيح أن الأوطان تتحرر بالدماء .
لكن صحيح أيضا أن فلسطين حتى تتحرر تحتاج لأطفال يكبرون ويتعلمون وينجحون في حياتهم ويحتمون بدفء حضن الأمهات ويقاومون بالعلم والمعرفة والنجاح أيضا .
لا يوجد أنبل ولا أكرم من الشهيد، وتمجيده لا يعني الاسترسال في تمجيد ثقافة الموت .
يا قوم، فلسطين تحتاج لأحياء أيضا كما تحتاج لشهداء.
ولا مبرر إطلاقا للحملة على مذيعة قالت إنها «أم» ببساطة .
الزميلة طبعا وفي مواجهة التزيد في تفسير كلامها اضطرت لسحب التعليق، وهي هنا أخطأت، وكان ينبغي أن تدافع عن خيارها الذي لا تشوبه أي شائبة في رأيي الشخصي.
حجاب نيوزلندي
«نيوزيلندا ترتدي الحجاب وتستمع للأذان». هذا باختصار مضمون التقرير الخاص، الذي بثته قناة «الجزيرة» بتوسع بعد صلاة الجنازة الضخمة ليوم الجمعة الماضي لتشييع جثامين ضحايا «إرهاب المسجدين».
هذا البلد البعيد أصبح عنوانا لمرحلة جديدة فيها درس للبشرية بعنوان «التعايش الديني والتسامح ورفض الإرهاب».
أشك في أن الإرهابي، ومن خلفه من جماعة «العرق الأبيض» كانوا سينفذون الجريمة حقا لو توقعوا أن تصبح نيوزيلندا بعد الجريمة منارة للتسامح وبؤرة تستقطب المزيد من المسلمين، وبلدا يقدم درسا للبشرية بتلقائية وحماس ودون تكلف، بعنوان «كيف تتحول إلى إنسان حقيقي» تقبل التنوع العرقي والديني.
بعا، التقط محنك من وزن الأمير حسن بن طلال اللحظة الراهنة وهو يتحدث عبر شبكة نيوزيلندية عما حصل وما ينبغي أن يحصل في عودة قوية للمسرح الكوني، بعدما كان من الشخصيات العربية البارزة القليلة التي حضرت للتضامن وتقديم واجب العزاء.