اراء و مقالات

آخر تصريحات اليمين الإسرائيلي المتطرفة: «الأونروا» مشكلة أردنية… و«أزمة إنسانية» في الطريق… لماذا أعلنتها «المفوضية»؟

عمان ـ «القدس العربي»: ضَرَب إعلان مفوضية اللاجئين السامية عن قرب ولادة أزمة إنسانية في الأردن، كل الأوتار الحساسة مجدداً بعد تزامن غريب له علاقة بمشروع اليمين الإسرائيلي الذي يسعى إلى تقويض وكالة غوث اللاجئين «الأونروا».
مجدداً، يجد الأردن سياسياً ودبلوماسياً نفسه في مواجهة آثار العدوان الإسرائيلي، ليس في غزة فقط ولكن على وكالة الأونروا، حيث الحصة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في العالم تجلس في مخيمات الأردن، وحيث -وهو الأهم- الحرص على استمرار تدفق الأموال للإنفاق على التعليم والصحة حصراً في هذه المخيمات يتموقع في عمق مصلحة الأمن القومي والوطني الأردني، الأمر الذي أشار له وزير الخارجية أيمن الصفدي عندما تحدث مع «القدس العربي» عن الأولويات والتحديات، لافتاً إلى أن بلاده مهتمة جداً بكل الدلالات العميقة التي يدفع بها العدوان الإسرائيلي في قضية اللجوء.
لم يعرف بعد ما إذا كان الإعلان الرسمي لمفوضية اللاجئين عن أزمة إنسانية وشيكة في الأردن بسبب ضعف التمويل للمخيمات منسقاً مع وزارة الخارجية أو الحكومة الأردنية. لكن الانطباع أن إعلان المفوضية صدر بعد فترة زمنية بسيطة، أكثر فيها الوزير الصفدي من مخاطباته للمجتمع الدولي، بعنوان الخذلان وخيبة الأمل أردنياً في ملف اللاجئين السوريين.
الأعباء الاقتصادية والمالية الأردنية كبيرة ومعقدة، ونجاح حكومة اليمين الإسرائيلي في إضعاف «الأونروا» وإخراجها من السكة هي ضربة قوية على نحو أو آخر للاقتصاد الأردني أيضاً، وبالتأكيد للاقتصاد الفلسطيني في تحول ناقشه على الأرجح الوفد الوزاري الفلسطيني الذي زار عمان في إطار ترتيب اجتماعات اللجنة الوزارية العليا بين الجانبين.
يفترض أن يتحدث رئيسا الوزراء الدكتور بشر الخصاونة والدكتور محمد مصطفى، معاً، بعد ساعات فقط من الخلاصة التي تقدم بها رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة عندما وصف حكومة مصطفى التكنوقراطية بأنها ليست الحكومة «التي يرغب بها الغرب».

«الخيار الوحيد»

عمان تحاول مساعدة الدكتور مصطفى باعتبار حكومته الخيار الوحيد الذي يقبله الرئيس محمود عباس، لكن الاتفاق بين رام الله وعمان على جبهة واحدة وموحدة لمساعدة وكالة غوث اللاجئين، قد لا يكفي لتحقيق فارق على أرض الواقع؛ لأن الجيش الإسرائيلي دفع الوكالة الدولية للتو لإعلان وقف نشاطاتها كاملة في قطاع غزة. والخشية هي من أن يسترسل ضعف التمويل بصورة تؤذي عمليات الوكالة في الملعب الأردني، وهو ما يقرع كل أجراس الإنذار.
الأهم للمدلول السياسي الاستراتيجي، أن ما فعله جيش إسرائيل مؤخراً بمقرات ومكاتب وكالة الغوث إنذار مبكر؛ لأن عمليات الأونروا في جبهات أخرى مثل لبنان والضفة الغربية، في طريقها للتقلص فيما الجبهة في الأردن أكثر تأثيراً وتنتج المخاطر إذا ما تقلصت بسبب التمويل والتقويض الإسرائيلي لعمليات الوكالة بصورة متفاعلة، ليس لأن التركيز الإسرائيلي على ضرب الأونروا يحصل في توقيت حساس بالنسبة للاقتصاد الأردني، وليس فقط لأن الأردن يستضيف الكتلة الأضخم عالمياً من اللاجئين الفلسطينيين وبنسبة سكانية كثيفة، ولكن لأن هؤلاء اللاجئين هم مواطنون أردنيون بالمعنى القانوني والسيادي، وما يخطط له يمين إسرائيل هو أن يكون ملف مخيمات اللاجئين مشكلة أردنية في النتيجة، حيث يدفع الأردن هنا ثمن مساندته لضحايا إسرائيل كما حصل مع ملف اللجوء السوري.
لذلك، يضغط إعلان المفوضية السامية للاجئين على الأعصاب الحيوية للخيارات والثوابت الأردنية، علماً بأن الخارجية الأردنية وقفت منذ خمس سنوات وحدها في التصدي والاشتباك لتداعيات هذا الملف. وإن المرعب والمقلق أكثر هو ما سيحصل في ملف الوكالة واللاجئين إذا ما عاد الرئيس دونالد ترامب إلى الإدارة في واشنطن.

مسألة ضاغطة

الأردن يجري حساباته بدقة في هذا الملف الحساس، والدول العربية الثرية لا تتجاوب بالقدر الكافي مع المبادرات الأردنية. ومسألة وكالة الأونروا ضاغطة الآن وبقوة، لكنها على نحو أو آخر، وبرأي الخبير الاقتصادي أنور الخفش، هي إشارة إنذار خطر في سلوك اليمين الإسرائيلي ضد مصالح الأردن، وبصيغة تتطلب خطوات احتياطية ووقائية للرد. والسبب قد يكون التوثق من أن نقاط التأزيم والتوتر بين يمين إسرائيل وحكومة الأردن قد لا تقف عند حدود ملف عمليات الأونروا، فطاقم اليمين الإسرائيلي تحدى الوصاية الأردنية في القدس المحتلة.
واستمرار العدوان على أهل قطاع غزة يستنزف الكثير من الحسابات الأردنية، وما توحي به هجمات الأمن الإسرائيلي على مكاتب الأونروا في القدس وبعض مدن الضفة الغربية مؤخراً هو بكل بساطة سياسياً استرسال حكومة اليمين الإسرائيلي في هز أوتار سيناريو التهجير في الضفة الغربية.
وهو السيناريو الذي يدفع كل المجسات الأردنية إلى مستويات متقدمة في ملف المخاطر.
بهذا المعنى سياسياً، يمكن قراءة ما صرح به، صباح الإثنين، المفوض السامي الأممي للاجئين في المملكة دومنيك بارتش، عن أزمة إنسانية وشيكة في الأردن لها علاقة بعدم وجود تمويل للخدمات، خصوصاً أن الدولة الأردنية مضطرة لتعويض هذا النقص في التمويل وسط تعقيدات جيوسياسية وإقليمية تعزف على أوتار المخاوف الاقتصادية.
الإعلان عن أزمة إنسانية وشيكة في الأردن ينبغي ألا يعبر بكل بساطة، وأن يتم تشكيل خلية أزمة أردنية فلسطينية تحاول اختراق الترتيب الإسرائيلي في منهجية تقويض الأونروا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading