أحزاب الأردن والإخفاق مع «الطوفان»
التكامل بين الأحزاب في لحظات التحدي الوطنية هو المطلوب وليس التنافر أو التناقض أو المزاودات أو التنافس
تبدو بعض البيانات التي تصدر عن «أحزاب جديدة» في المشهد الأردني متسرعة وانفعالية. وبالحد الأدنى لا تملك النضج المطلوب في مواجهة مرحلة حساسة وحرجة على صعيد المصالح الوطنية خلافا لأنها «استعراضية» وتجتهد في «إرضاء الظل» وجهات رسمية أكثر من شغفها بتمثيل الرأي العام أو التشبيك الاجتماعي المسيس.
معركة طوفان الأقصى التي غيرت وبدلت الكثير من معطيات وإعدادات المشهد في الإقليم والعالم مثل «البرد» كشفت عن العلل والأمراض عند بعض التجارب الحزبية المستجدة التي ارتبطت بتحديث المنظومة.
بعض التعبيرات الحزبية بدا واضحا عليها الشغف الشديد بمخاطبة «الغرائز» والمشاعر وتثوير وتأزيم المتأزم بالمستوى الشعبي.
بعضها الآخر اجتهد في تجنب مزالق «الشعبوية» التي ترافق ميكروفونات أحزاب المعارضة في المواسم الوطنية الحرجة فذهب في اتجاه «مجاملات» لا يحتاجها الموقف الرسمي وتاهت بوصلته في تبرير ودعم مواقف لا يعارضها الناس.
لاحظنا بانزعاج كيف تركز بعض تعبيرات أحزاب المعارضة الكلاسيكية على مناكفة السلطات فقط في التفاصيل وأحيانا التشكيك بالموقف الرسمي من مسارات الحدث في فلسطين المحتلة.
بالمقابل التعبيرات الحزبية التي تدعي الولاء يشعر المراقب أنها «تفتعل مشكلات» أو تحترف تسليط الضوء على إشكالات صغيرة وتبالغ فيها استرسالا في سياسة تخويف الناس والدولة معا.
حتى اللحظة ورغم تركيز الجميع على «أداء برامجي» من الصعب العثور على برنامج وطني حزبي ناضج ومقنع ومتكامل لا في صف الأحزاب المعارضة ولا تلك المحسوبة على الموالاة، الأمر الذي يحيل التجربة الحزبية في البلاد بصفة عامة إلى صيغة أقرب لشعبويات وأخرى تعارضها وبصيغة حوار طرشان لا يسمعه شعب نسبة الذين انضم من مواطنيه للعمل الحزبي لا تزيد عن «1٪» بموجب آخر استطلاع.
التكامل بين الأحزاب في لحظات التحدي الوطنية هو المطلوب وليس التنافر أو التناقض أو المزاودات أو التنافس. النضج في التعامل مع تحديات اللحظة الراهنة خصوصا بعد معركة طوفان الأقصى وما خلفته في الجميع من تساؤلات وحيرة وآلام هو الأساس وليس الانفعال أو المناكفة أو افتعال مشكلات والتركيز عليها بدلا من التكثيف فيما تحقق تاريخيا من لحظات فارقة قوامها التوثق من أن «قضية فلسطين» وحدها هي التي توحد بين الأردنيين أكثر من غيرها وفكرتها أيضا الاندماج المدهش بين الموقفين الرسمي والشعبي.
التكامل بين الأحزاب في لحظات التحدي الوطنية هو المطلوب وليس التنافر أو التناقض أو المزاودات أو التنافس
فوتت العديد من التشكيلات الحزبية اللحظة الفارقة وانصرفت إلى التنافس في الشارع وكأن التظاهر هو فقط العمل الرديف الذي يمكنه أن يحمي المصالح الأردنية ويخدم قضية الشعب الفلسطيني فيما لم نقرأ مقاربات أو تقدير مواقف أو أوراق عمل حزبية متخصصة تدل الحكومة والشعب معا على كيفية التصرف وقت الأزمة.
الوقفات الاحتجاجية على أهميتها ليست هي المكان الوحيد الذي تستعرض فيه التشكيلات الحزبية قدراتها والمطلوب مقاربات عاصفة ذهنيا وإبداعيا تزيد منسوب الوحدة الوطنية بين المكونات الاجتماعية وتقرأ الحدث وتطوره بلغة علمية وتقدم وصفات للإدارة والحكومة مبنية على الخبرة والتجربة والنضج بما يحمي موقف الشارع ويؤطر برمجة القرار الرسمي.
كما قلنا مثل البرد كشف طوفان الأقصى العلة في جسد الأحزاب الأردنية وبدت وكأن مشروع تحديث المنظومة السياسية جوهره فقط إصدار بيان وتنظيم تجمع على أساس مناكفة أو منافسة التيار الإسلامي فقط علما بأن رهان القيادة على ما هو أبعد بكثير من ذلك وآمال الناس أعرض واحتياجات الوطنية أعمق.
أتفق مع شخصية سياسية بارزة حذرت من أن المشهد الإقليمي بعد 7 أكتوبر كشف عن الخطأ الفادح في عملية فك وتركيب البنية الحزبية الأردنية، فالأحزاب بدت تائهة لا تتوفر لديها قراءة للحدث وأكثرت من التركيز على سلبيات حريات التعبير بدلا من تقديم وصفات حكيمة تنفع الناس والدولة.
تم تفويت فرصة البناء على مظاهر التوحد التي أظهرها الأردنيون بعد الحدث الفلسطيني وانزلقت فرصة تقديم إطار برامجي مؤثر وعميق يؤثر بالجمهور دون أدنى انتباه للمناكفة والتمايز فقط وبصورة مرجحة اختفت الزاوية التي يقرأ فيها الأردني جديدا دسما في محتوى برامجي يقرأ الوقائع ويبحثها بعمق ويعمم ثقافة إيجابية بين الجمهور.
خطاب الدولة لم يجد حليفا مقنعا وصلبا وسط الأحزاب وتلك التشكيلات التي وسمت مبكرا بأنها «أحزاب أنابيب» بينت الأحداث أنها «لاتزال آخر من يعلم» وتركب الحافلة في آخر محطة وتستعمل لغة قديمة ومكررة ومجترة وغير علمية من الصنف الذي لا يخدم إلا التراثيات ولا يميل إلا إلى استعراضات يمكن أن تؤذي الوحدة الوطنية أو تفرق المواطنين بدلا من تجميعهم على نفس القلب والهدف. طبعا لا يمكن التعميم على جميع الأحزاب.
لكن «العلة « واضحة أردنيا في بنية وأولويات وخطاب أحزاب المعارضة والموالاة معا للأسف الشديد، وأملنا كبير في أن تدرك المعارضة أن واجبها ينبغي أن يتجاوز التشكيك فقط بالسلطة ومناكفتها وتنظيم وقفات احتجاجية، فيما على أحزاب الموالاة والوسط وغيرها تقديم أدلة عميقة على أنها قادرة على تفعيل خاصية الحلقات الوسيطة في جمع الشارع مع مؤسساته على كلمة وسطية سواء مقنعة تنفع الجميع.