أحزاب الأردن والسؤال «اللغز»: هل وجود «حزب وسطي» مسيطر وقوي «مرفوض أيضاً»؟
عمان ـ «القدس العربي»: المخاوف المرتبطة بسيطرة أو تفوق أو تحكم حزب واحد في حال الانتقال الجدي إلى مستوى إجرائي لمسار تحديث المنظومة السياسية في الأردن، لم تعد تقتصر على أحزاب اليمين أو على حزب جبهة العمل الإسلامي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، بل اتسعت دائرة المخاوف أيضاً خلف الستائر على الأقل لتشمل حتى الأحزاب الوسطية المحسوبة على الموالاة.
يصر قادة متعددون في أحزاب الوسط الأردنية المستحدثة أو المستجدة على أنهم جزء حيوي من تلك المخاوف المستقرة التي لا تطال «المعارضة فقط» بقدر ما تشمل «فكرة الحزب المسيطر أو المتفوق حتى انتخابياً» بصرف النظر عن هويته وتجربته وأفكاره.
ذلك هاجس ينمو ويزحف وسط تراكم الانطباعات بين قادة تلك الأحزاب بوجود أكثر من نمط وتصرف وتشكيك يعترض مسيرتها، خصوصاً عشية التحضير لأول انتخابات نيابية قبل نهاية العام 2024 بعد إقرار برنامج تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
تزحف الانطباعات وسط أحزاب الوسط التي تقول إن البوصلة والبرامج غير واضحة، وإن صعود تلك الأحزاب قبل إنضاج تجربتها وسط الجماهير قد يؤدي الى عدة إشكالات.
لكن الانطباع الأكثر إثارة للقلق حسب أعضاء في البرلمان، هو ذلك الذي يوحي بأن تفوق وسيطرة حزب واحد حتى لو كان من أحزاب الموالاة، قد يكون من الأمور المرفوضة أو التي ترتاب فيها السلطات. وقد يؤدي إلى مواجهة استحقاقات وتداعيات لها علاقة بما وصفه يوماً المعارض الشيخ سالم الفلاحات بكلفة وفاتورة أحزاب الأنابيب.
القيادي في حزب الميثاق محمد حجوج، تحدث عن معيقات وإعاقات في الطريق، لكنه طالب عبر «القدس العربي» بالبناء إيجابياً حتى على الشكوك، وصولاً لليقين بالعمل الحزبي، مقترحاً أن «التجربة تنضج» بالبرامج والممارسة لأنها تحتاج لمزيد من الوقت.
«ينبغي المضي قدماً في مسار التحديث الحزبي والسياسي» يقترح الحجوج مصوتاً لصالح «المسيرة الوطنية المنتجة بدون البقاء في منطقة تردد» ملمحاً إلى أن «الارتجاف» من تجربة العمل الحزبي هو محطة على الجميع مغادرتها، بما في ذلك القطاعات الرسمية.
الخوف من «حزب واحد مسيطر» انطباع يهمس به قادة الأحزاب الوسطية، ويعتقدون بأن بعض مراكز القوى في إدارة الحكومة ليس من مصلحتها وجود حزب واحد قوي ووسطي، وأن طبيعة اللعبة البرلمانية مستقبلاً إذا ما انتقلت البلاد إلى منسوب تشكيل حكومة أغلبية برلمانية، قد تتطلب ضرب فكرة الحزب الواحد القوي حتى ولو كان من أحزاب محسوبة على تيارات الموالاة. وهو أمر يقع الآن في نطاق المخاوف، لكنه يحتاج لاختبارات جدية وجذرية في أكثر من اتجاه.
طبعاً، لا توجد أدلة حتى اللحظة على مسوغات تخوف أحزاب الوسط، لكن يبدو أن بعض مراكز القوى ما تفضله خلطة من ائتلافات أحزاب وسطية تتحالف فيما بينها لتشكل القوة الطاغية في المجلس التشريعي المقبل قبل نهاية عام 2024، بحيث إن مسطرة المخاوف من سيطرة حزب معارض واحد تشمل التيارات الوسطية أيضاً في بيئة ثقافية رسمية من الصعب أن تقبل ذلك الآن.
وهو أمر إذا ما ظهرت مؤشرات عليه، يكرس القناعة بأن فكرة الحزب القوي على الأقل من جهة مراكز القرار والسلطة لم تنضج بعد في الأردن، علماً بأن رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات المهندس موسى المعايطة، كان قد حذر عدة مرات وعبر «القدس العربي» من ضرورة السعي لتثقيف المجتمع بالحياة الحزبية الجديدة، وتحدث عن اعتبارات وإشكالات لها علاقة بعدم عمق التجربة بعد، وبغياب بعض البرامجية وأيضاً إشكالات مالية.
الاختبار الأساسي في الأسابيع القليلة المقبلة هو تحديد ما إذا كان المشهد الوطني، خصوصاً في ظل اشتعال الإقليم والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، يقبل فكرة وجود حزب واحد قوي بناء، على الفرضية التي تقول إن وجود حزب ممثل للتيار الإسلامي قوي أصلاً هو مسألة مرفوضة وتدخل في نطاق العقيدة الإدارية، الأمر الذي سحب تلك العقيدة على فكرة وبرنامج وجود حزب واحد قوي يمكنه أن يشكل القوة المطلقة والأساسية المتمركزة والمتموقعة حول الأغلبية لاحقاً في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
مثل هذه المخاوف قد تؤدي إلى تفضيل برمجة وضبط إعدادات يدفع في اتجاه وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب وسطية قوية وصلبة ومتماسكة تدار عبر ائتلاف يحتاج لدوائر القرار في الدولة لترتيب أوراقه بين الحين والآخر، ما سينسحب على تجربة البرلمان. الحديث مبكر قبل الانتخابات عن جهد قد يبذل لدفع 4 أحزاب وسطية على الأقل لكي تحصل على العدد الأكبر من قوائم وطنية حزبية خصصت في برلمان المستقبل، ما يؤشر إلى أن القوة المطلقة أو قوة الأغلبية لحزب وسطي واحد محسوب على الولاء، حتى مرفوضة، أو لا تجد لها متحمسين كثراً الآن، ومما ينتهي بالدفع في اتجاه ائتلافات بين كتل تمثل الأحزاب الوسطية بحيث تدير الأغلبية وتحتاج لمساعدة الأصدقاء في دوائر السلطة التنفيذية بين الحين والآخر، وتتولى مهمة تقليم أظافر التيار الإسلامي والتصدي للحضور التشريعي القوي. لذلك، ثمة كلفة بطبيعة الحال، وهي العودة لاستنساخ ظاهرة «نواب الخدمات» ولكن بصيغة «أحزاب خدمات» هذه المرة.
والنتيجة، عدم وجود جديد في الوجوه والأدوات والرموز والبرامج داخل قبة البرلمان المقبل، على الأقل في هذه المرحلة، مع أن المعايطة يرى أن الانتخابات المقبلة ضرورية لأنها تنطوي على رسالة، وهي مرحلة أو مجرد مرحلة في بناء التعددية الحزبية في البلاد.