أولوية «القصر الملكي» الأردني: إنهاء ثقافة «العداء البيروقراطي» وتخفيف «آلام» المستثمرين
مخاطر «الفساد الصغير» تبحث على أعلى المستويات
لماذا توقف النشاط المرجعي الأردني مؤقتاً في مجال جذب المستثمرين؟
يبدو ذلك سؤالاً مفتوحاً على الاحتمالات أيضاً بعدما انتهت الحكومة من إعداد الميزانية المتقشفة لمالية الدولة مؤخراً فقط بعد عبورها من مجلسي الأعيان والنواب. ويلاحظ خبراء عميقون هنا تحديداً بأن زيارات ولقاءات واجتماعات الملك عبد الله الثاني الخارجية لم تعد تركز على مقابلة واستقطاب رجال أعمال أو معنيين بقطاعات الاستثمار بعد سنوات طويلة من الاهتمام الملكي المباشر بمثل هذا الأمر، والتمكن قبل سنوات من استقطاب عشرات المشاريع الكبيرة.
التركيز الملكي في لقاءات الخارج يطال بصورة مباشرة هذه الأيام القضية الفلسطينية وأولويات وضع الإقليم ومكافحة الإرهاب. تغيب عن أخبار وبيانات القصر الملكي تلك الملخصات المألوفة عن الجهد المتعلق بلقاء رجال مال وأعمال. ولا يحصل ذلك بدون سبب، وتم التلميح إلى الأمر في اجتماع مغلق مؤخراً مع نخبة خبراء وشخصيات وطنية. المرجح هنا أن مؤسسة القصر تريد أن تنهي معاناة أي مستثمر خارجي أو أجنبي قبل استئناف أي نشاط استقطابي.
المطلوب أيضاً إزالة العقبات ومعالجة الألم البيروقراطي الذي يعيق حتى استثمارات الداخل، الأمر الذي يفسر تشجيع الملك شخصياً وإشرافه على مبادرة حماية الاقتصاد الوطني وحزم التسهيلات التي أصدرتها الحكومة، حيث سلسلة طويلة من اللقاءات المكثفة بلمسات ملكية مباشرة تشرف حتى على التفاصيل. وثمة ما يوحي في المؤسسة السيادية وفي العمق بأن التوجيهات العليا تريد الانتباه أكثر في هذه المرحلة؛ لترطيب المناخ الاستثماري وترتيب البنية الداخلية، بسبب حصول فارق لم يعد من الممكن إنكاره بين عمليات استقطاب مضنية لاستثمارات تذوب أو تصبح غير فاعلة عند الرغبة في ترخيصها أو توطينها محلياً.
ثمة حالة خصومة وعداء لا يمكن أيضاً إنكارها بين المستثمرين ونخبة عريضة من قطاع الموظفين الذين يمكن لمجموعة صغيرة منهم، في بعض المؤسسات، إحالة حياة أي مستثمر إلى جحيم حقيقي بسب سلسلة لا متناهية من تعقيدات الأنظمة واللوائح والتراخيص، وبسبب غياب ثقافة دعم وإسناد الاستثمار، وتكلس مفاصل البيروقراط التي تنظر إلى المستثمرين بارتياب وتستمتع في إزعاجهم وإقلاقهم.
الأهم حتى في خلاصة اللقاء المرجعي المشار إليه هو التأكيد على دور سلبي لمسلسل الفساد البيروقراطي الصغير المنوط بصغار الموظفين، وبالتالي بالمعاملات البيروقراطية اليومية لمنشآت ومرافق المستثمرين.
استخدم تعبير الفساد الصغير في اجتماعات سيادية عدة في دلالة على عناصر طاردة فعلاً للمستثمرين، خصوصاً من الطبقة الصغيرة والمتوسطة حيث محسوبية، وأحياناً رشوة صغيرة لم يعد من الممكن إنكارها.
وقد أثبت تقرير حالة البلاد لعام 2019، الصادر عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وجود هذا النمط من الفساد الصغير بشكل يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، ويصنع حالات مختلة من الأداء الإداري. ويبدو تماماً هنا أن مؤسسة القصر الملكي تلامس أوجاع المستثمرين، ولديها تقرير وشكاوى بالجملة، وكذلك الحكومة، وأيضاً مؤسسة تشجيع الاستثمار. ويبدو أيضاً أن الملامسات لاستعراض معيقات الاستثمار، سواء في تقرير حالة البلاد أو حتى في التقييمات النقاشية المغلقة، تبدو أكثر صراحة هذه الأيام، في محاولة تؤكد بأن الأولوية أصبحت لترتيب البيت الداخلي قبل العمل على جذب الاستثمارات من الخارج أو إقناع القطاع الخاص بمزيد من الاستثمار في الداخل.
وعلى الأرجح، يهتم الملك شخصياً بهذه التفاصيل، ويراجعها، ويطمح ببيئة نظيفة أكثر إدارياً وبيروقراطياً. ويمكن تلمس هذه الإشارة عبر رئيس بلدية العاصمة عمان، يوسف الشواربة، وهو يذكر أمام «القدس العربي» كيف تسأله القيادة عن التفاصيل وتحفزه للإسراع في التحول إلى الخدمات الإلكترونية، في محاولة للحد من المحسوبية والواسطة، وفي بعض الأحوال المحدودة طلب المال الصغير لتقديم خدمات روتينية.
يريد أيضاً وزير المالية الدكتور محمد العسعس، وكما فهمت منه «القدس العربي» تثقيف الموظفين والأطقم العاملة في مجال تحصيل مال الخزينة والرسوم والضرائب، ويتحدث عن برنامج طموح لمكافحة التهرب الضريبي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بكبار المتهربين ضريبياً وليس صغارهم.
تقر الاجتماعات المغلقة بانتشار من الصعب تجاهله للفساد الصغير في أربع مؤسسات على الأقل ناشطة ولها علاقة بالبنية البيروقراطية المعنية بخدمات المشاريع والاستثمار، ولم يعد نفي وجود هذا النمط من الترهل الإداري والتجاوزات الفردية أمراً مخجلاً حتى في اجتماعات الوزراء والخبراء.
ومن الواضح أن مؤسسات محددة بدأت تذكر في هذا السياق.
والأوضح أن وزيراً بحجم المعني بالمالية مثل الدكتور العسعس جاء، وفي خلفية تعيينه ضوء أخضر، لإجراء عملية تنظيف وتطهير لبعض مظاهر الفساد الإداري وأحياناً المالي.
هل ينجح العسعس في ذلك؟.. هذا هو السؤال الآن، لكن الإجابة عليه يمكن استنباطها من خلال مراقبة تجميد الإطار المرجعي، ومركز القرار مرحلياً ومؤقتاً للفعاليات المتعلقة بجذب مستثمرين إلى أن تترتب على الأقل الأوضاع الداخلية.