«الأمن القومي» الأردني في انتظار تسمية «عضوين»: أيهما يطغى… «الأمني» أم السياسي – الاستراتيجي؟
مسألتان مهمتان متعلقتان بملف المجلس لم تعلنا بعد
عمان- «القدس العربي» : بعد عبور التعديلات الدستورية الأخيرة والمهمة جداً في الأردن ونشرها في الجريدة الرسمية وتوشيحها الإرادة الملكية، تدخل المرحلة الجديدة تماماً في كيفية إدارة شؤون وملفات الدولة المهمة والأساسية والاستراتيجية على الأقل قيد الاستحقاق الزمني وفي أسرع وقت ممكن ضمن آلية وبرنامج تحديث المنظومة السياسية التي أطلقها الملك عبد الله الثاني بداية قبل نحو 6 أشهر.
التعديلات الدستورية عبرت من غالبية المراحل التي يتطلبها الدستور والأردنيون بانتظار شغوف لولادة مجلس الأمن القومي الجديد. وهو جسم دستوري جديد وصفه المؤيدون بأنه عبارة عن إضافة حيوية تخدم الإصلاح السياسي، واعتبره الناقدون وبينهم رموز من طبقة رجال الدولة والسياسة، بمثابة سلطة جديدة تمت دسترتها وهي موازية لسلطة الحكومة. حتى هذه اللحظة لم تعلن مسألتان مهمتان متعلقتان بملف مجلس الأمن القومي:
مسألتان مهمتان متعلقتان بملف المجلس لم تعلنا بعد
الأولى، هي النظام الذي سيعمل بموجبه المجلس الجديد من حيث طبيعة الاجتماعات وتوقيتها وكيفية آلية اتخاذ القرارات وفي حال عدم حضور الملك شخصياً من سيترأس الاجتماعات. والمجلس الجديد مؤلف من رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية، إضافة إلى قائد الجيش، ومديري الأجهزة الأمنية الأساسيين، وعضوين مدنيين يقررهما الملك.
المسألة الثانية التي لم تتضح بعد، هوية العضوين الإضافيين في مجلس الأمن القومي، حيث لا توجد إشارات من أي نوع إلى أين ستتجه البوصلة الملكية، والمرجعية بصدد تسمية عضوين في مجلس سيتولى بدوره ملفات الأمن الداخلي والخارجي والشؤون الخارجية والدبلوماسية أيضاً؛ بمعنى إحكام السيطرة على نحو ثلثي الميزانية المالية للدولة أو المؤسسات المرتبطة بتلك الحصة من الميزانية.
هوية العضوين الجديدين بعد التنسيب الملكي تعتبر من المحطات الأساسية والدالة بالنسبة للمراقبين السياسيين، فاختيار عضوين من السلك العسكري أو بخلفية عسكرية أو أمنية يعني غلبة الجناح الأمني والعسكري في تركيبة مجلس الأمن القومي واللجوء إلى شخصيات مدنية أو سبق لها أن تقلدت مناصب مدنية ذات طبيعة سياسية توفر ضمانات بأن تدرس الملفات وتتخذ القرارات ضمن آلية أو منظومة مدنية الطابع أو مزدوجة وليس عسكرية، بمعنى الأغلبية في التصويت.
تلك نطاقات لا أحد يعرف عنها بعد شيئاً.
لكن الذي يعرفه الجميع هو أن ولادة مجلس الأمن القومي الجديد حصلت وأصبحت دستورية بالكامل، بالرغم من كل الضجيج الذي يثار حولها هنا وهناك، وبالرغم من المعارضة الواسعة لخطوات التعديلات الدستورية الأخيرة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مساحة، وأبرزها بعض رؤساء الوزارات السابقين والكثير من أبناء العشائر في المجتمع، حيث إن هذه التعديلات أقرت بعجلة شديدة وبصفة الاستعجال، ولم تشرح للرأي العام كما ينبغي أن يحصل.
وبادرت فيها الحكومة وصنفها التيار الإسلامي، على حد تعبير الشيخ مراد العضايلة في حديث لـ«القدس العربي» مسبقاً، بأنها تمت خارج نطاق ما تقرر من توصيات في برنامج تحديث المنظومة السياسية، الذي شاركت فيه أكثر من 90 شخصية، بينها ممثلون للحركة الإسلامية. كيف سيكون الوضع الدستوري في إدارة مؤسسات الدولة؟
كيف سيجلس ويتموضع مجلس الأمن القومي الجديد في إدارة سياسة الدولة بعد الآن؟ وما هي طبيعة علاقته بالحكومة، أو ما تبقى من السلطة التنفيذية؟
سؤالان كبيران لا يمكن تحصيل أو توفير ولو جزء من الإجابة عليهما حتى اللحظة قبل تحديد النظام الداخلي الذي سيدير المجلس أعماله بموجبه، وتسمية الشخصيتين الإضافيتين، وقبل رصد كيفية اتخاذ القرارات. لكن المؤكد في المقابل، أن جسماً دستورياً جديداً ولد وبقوة وبأغلبية واضحة في إدارة الميزانية المالية.
الانتقال إلى هذا الوضع الدستوري الجديد وفر ضمانات للدولة العميقة وللمرجعيات ولمؤسسة القصر الملكي، قد تكون مفيدة جداً في إظهار الجدية الحقيقية نحو الانتقال إلى شكل من أشكال تقاسم السلطة التنفيذية والإدارية، أو ما تبقى منهما عبر أو لصالح حزمة من الأحزاب السياسية التي ستولد في المستقبل القريب، وبعد تعديل وإعادة بناء قانوني الأحزاب السياسية والانتخابات البرلمانية.
بمعنى أو بآخر، على الرغم من الجدل المتعلق بمجلس الأمن القومي الجديد ومستوى نفوذه على حساب السلطة التنفيذية في إطارها التقليدي والكلاسيكي، يعتبره بعض الخبراء وبينهم أعضاء في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الإشارة أو البرهان الأبرز على جدية السعي نحو تخصيص مساحات من الحضور والنفوذ في إدارة مؤسسات الدولة والحكومة لاحقاً للأحزاب السياسية، وهو رأي سمعته «القدس العربي» من عدة أعضاء في لجنة التحديث، بينهم جميل النمري ومحمد حجوج.
المعنى خطوات نحو برنامج يقود إلى تشكيل تيارات برلمانية حزبية تحت قبة البرلمان، وإلى حد ما حكومات بطابع حزبي أو حكومات حزبية لاحقاً على أساس تداول ما تبقى من السلطة في إطار الأغلبية البرلمانية.
هذه التراتبية في العمل جديدة تماماً وطازجة جداً بالنسبة للأردنيين، وأصبحت بمثابة الواقع الدستوري الموضوعي بالرغم من كل الضجيج الذي يثار حولها، لا بل اعتبرت بمثابة الطريق الوحيد الآمن والسليم لإنجاز قفزات على صعيد تحديث المنظومة السياسية ووضع بعض السلطات خصوصاً في نطاق الخدمات بين يدي أحزاب سياسية لها علاقة ببرامج وطنية عامة.
لا أحد يستطيع توقع الكيفية التي ستنتهي إليها الأمور ومستوى الإنتاجية لإعادة برمجة الوضع الدستوري العام على هذا النحو، لكن الحكومة بإجماع المراقبين بمعناها التقليدي كسلطة تنفيذية هي التي أصبحت أبعد بمسافة كبيرة من مواقع اتخاذ القرار الآن.