اراء و مقالات

الأردن وأخطار «صناعة فتنة» لمنع أخرى وسط تزايد اشتعال حرارة التعاطف الشعبي مع غزة

بعيداً عن الاجتهاد ما بين «المسموح» به و«المحظور» أمنياً

عمان ـ «القدس العربي»: قد لا يحتاج الأمر أكثر من «بروتوكول تعليمات» يعلمه للجمهور الحاكم الإداري لتأسيس الفارق بعيداً عن الاجتهاد ما بين «المسموح» في المجال الحيوي بموجب القانون تحت سقف «حرية التعبير» وبين «المحظور» أمنياً. تختزل ذاكرة الأردنيين عشرات اللحظات «الخدماتية المطلبية» المتوترة مع الجمهور التي عبرت بدون فواتير وكلف واحتقان وتخوين.
وعدم وجود «خبرات سابقة» في «حراك سياسي» واضح وفاضح في مطالبه وتشارك فيه «مكونات» لا تخرج للشارع بالعادة مطلبياً، لا يعني «تمكين» بعض الاجتهادات من «صناعة وفبركة فتنة ما» بذريعة «منع أخرى» وهمية ولا يخطط لها الحراك المناصر لغزة.
مرت على الأردنيين انتفاضات وجرائم إسرائيلية متعددة في فلسطين، ووقف الأردن، شعباً وقيادة، طوال عقود مع الشعب الشقيق غربي نهر الأردن، وقبل ذلك مع العراق، والذاكرة القصيرة حافلة بلحظات التظاهر المدني، لكن التوقيت الحالي «مختلف» والجريمة الإسرائيلية أكبر بكثير مما تخيله الأردني يوماً.
ثمة خبرات تراكمت سابقاً في إدارة «حراكات الشارع» حتى عند المستوى الأمني الذي ينبغي على الحراكيين احترام دوره وواجبه والإصغاء للرسالة القائلة إن العدو على شواطئ غزة وليس في عمان. في هذا الاشتباك الإيجابي يمكن «احتواء ومعالجة» التوترات المتصاعدة في عمان على خلفية «حراكات الرابية» حيث تقطن سفارة العدو التي أصبح وجودها مع استرسال جرائم الإبادة في غزة أحد أكبر عناصر الاستفزاز لجميع الأردنيين، ما يعيد التأكيد على فهم ووعي يفترضان ما يفترضه المخضرم طاهر المصري وهو يقول إن «الأمور تختلف واختلفت».

سؤال محرج

إلى أي حد يفهم صناع القرار الحكومي بأن «معطيات العقل الأردني» اختلفت؟ هذا سؤال محرج لكنه مطروح، والمعطيات تبدلت فعلاً ولا يصلح معها الآن «محاكاة الماضي» بتوجيه اتهامات فارغة لا معنى لها تتقمص مجدداً روايات «المندسين والمتآمرين» وغيرهم من الذين «يحرفون البوصلة» مقابل «تصرفات فردية « فيها انتهاك للقانون تستطيع الأجهزة الأمنية طوال عقود التصرف معها.
يمكن «تأجيل الانتخابات» والضغط على القرار السياسي لتأجيلها بدون «ابتكار وصفات تأزيم» في الشارع الذي يمثله صوت الشيخ طراد الفايز، وهو يعلن وسط أبناء العشائر بأن الشعب الأردني «مع المقاومة طبعاً» وبأن القدس وفلسطين للأردنيين «عبادة وعقيدة».

بعيداً عن الاجتهاد ما بين «المسموح» به و«المحظور» أمنياً

ويمثله أيضاً النائب ينال فريحات، وهو يعيد تذكير «صبية سايكس بيكو» الذين تحركوا إعلامياً فجأة وانتشروا مؤخراً، بأن «موالاة المقاومة الآن واجب». وقبل كليهما ـ الفايز وفريحات ـ فإن إيقاع الشارع يمثل موقفاً ملكياً صلباً ضد العدوان وتصريحات حاسمة لوزير الخارجية واختراقات للحصار الإسرائيلي.
المسألة في جدل الاحتجاج المتهم بفقدان بوصلته في عمان لم تعد مرتبطة بـ«تأسيس علاقات رسمية مع المقاومة» بل حصراً بحق الشعب الأردني في التعبير عن موقفه منها ومن جرائم الكيان، فيما بات واضحاً أن المقاومة الفلسطينية تدخل أكثر في مستويات «الترميز العميقة» في الحواضن الاجتماعية للأردنيين كلما «أساء لها مسؤول» أو نصحها «وزير» أو خطط ناشط في ميليشيات إعلامية تستدعي كل ذكريات الماضي الحزينة لسحب الجنسية من «أبناء قياداتها». العلاقة الآن «طردية» فالحواضن الأردنية الاجتماعية تستقبل المقاومة الآن كما لم يحصل من قبل، ومعدل الاحتضان يزيد كلما أغلقت الحكومة الباب على حوار أو اتصال مع المقاومة، بل ينمو لهيب دعم المقاومة كلما أساء رأي أو قلم قصداً وعلناً لها.

خطاب يحتاج لاستثمار

تلك جزئية مفصلية لا بد من تأملها والتفكير فيها بعمق سياسياً ورسمياً بدلاً من الاسترسال في مسرحية «تحريضية» ينفذها ممثلون بدون أداء مقنع، والمرجح أن تنتهي بدون تصفيق لا بل بتحقيق «نتائج عكسية» وكأن المقاومة الفلسطينية تستهدف الأمن والاستقرار الأردني كما فعلت في الماضي منظمات أصبحت حليفة وشريكة تجلس في حضن الأردن منذ أوسلو.
سمعت «القدس العربي» كلاماً مباشراً من خمسة أعضاء في المكتب السياسي لحركة حماس، بينهم خالد مشعل وإسماعيل هنية، يشيدون بموقف الملك والقيادة، ويعتبرون الأردن قيادة وشعباً في طليعة المتضامنين، ويعربون عن قناعتهم بأن «أمن واستقرار الأردن هما لدى حماس عقيدة».
ومثل هذا الخطاب يحتاج لاستثمار وليس إلى تحريض على قيادة الحركة واستعداء المقاومة بسبب «خلل هرموني» داخلي في التواصل ما بين الحكومة والناس. يحصل كل ذلك فيما «الهزليات» العبثية التي «سمح بها « مؤخراً هي التي «تجازف» بالأمن والاستقرار وليس تظاهرات الأردنيات في منطقة الرابية التي طبعاً تحتاج بدورها لضبط.
شهدت الساحة المحلية منذ أيام عدة عبثاً غير مسبوق بهدف تخويف الدولة من «احتجاجات الرابية» وحراكات قلة قليلة من أبناء المخيمات تضامناً مع أهلهم الذين «يذبحون» في غزة كما الضفة الغربية، وخلال موجة العبث التي تسربت في «غفلة بيروقراطية» مناكفة للإخوان المسلمين قبل انتخابات 2024 عبر العودة لأسطوانة شيطنتهم التي أخفقت عشرات المرات، و«استدعاء غير مفهوم» لمرحلة أيلول، وإعادة نفض الغبار عن «مفردات وتعبيرات مرضية» يفترض أن مسار التحديث السياسي تجاوزها، مثل «المقيم يختلف عن المواطن» و«المجنسين» وأدبيات تتحدث باسم «حزام عمان» وكأن العاصمة اختطفت للتو من قبل أولادها لأنهم يتظاهرون فيها تضامناً مع شلال الدم الفلسطيني. الأوضح أن على أجهزة القرار ترك القناعة البائسة الكلاسيكية التي تفترض أن «تأزيم الأجواء» سيخيف الشارع الأردني وتذكير المواطنين بـ «مخاطر الأمن والاستقرار» وسقوط البلاد في حضن «إيران أو الإخوان أو كليهما» سيؤدي مع التحدث عن «غزوة الكالوتي» إلى «خفض مستويات الضغط الشعبي» لقطع العلاقة مع إسرائيل.
تلك بحد ذاتها وتفريعاتها في العرض القائم حالياً «مغامرة مكلفة» ستخدم الحراك وتعيد إنتاج قواه وتضعف هوامش المناورة أمام «الرسمي» في ملاعبة «الشعبي».
إنفاق وهدر الوقت على تأمل «ما بعد 7 أكتوبر» كما اقترح رجال دولة كبار مثل أحمد عبيدات وعلي أبو الراغب، هو «أجدى وأنفع» من هدره على اقتناص «خطأ هنا في هتاف هناك» لبناء «دراما شاملة» سمح بها وبلغة انقسامية واحدة، من أهم تجليات 7 أكتوبر أنه تم تجاوزها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى