الأردن: سحب الجنسيات بتهمة «المقاومة العظمى»!
ما يثير القلق على دعوة سحب الجنسية من رموز المقاومة إن كان بينهم فعلا أردنيون أصلا هو الصمت الرسمي المخجل على هذه الدعوات والافتراءات لا بل المسرحيات
الجنسية ليست منحة حتى تحجب لأي سبب والرقم الوطني الأردني طبعا يشرف من يحمله لكنه ليس هدية من أي جهة حتى تسحب. والمواطنة ينبغي خصوصا في زمن التحديث السياسي أن لا تخضع لمعيار الأهزوجة الشعبية المعروفة المرتبطة بـ«الشاي» فهي لا تصب في كأس حتى ترد في إبريق.
العبث الذي نسمعه أو نقرأه حول مسألة سحب الجنسية الأردنية من فلان أو علان ينبغي أن يتوقف وفورا، فهو كالطحالب أو الأعشاب الضارة التي تمنع الزرع وتسمم الإنتاج.
لا أحد يملك شرعية إظهار الحماس أو التصفير أو التصفيق فجأة لا لوزير ولا لغفير وهو يطالب بسحب الجنسية الأردنية من أحد المواطنين لا في الخارج ولا في الداخل.
مخجل جدا حد المرارة الوطنية أن يتجرأ أحد ما في عمان مجددا وعشية الانتخابات وبعد العرس الوطني المتمثل بمسار التحديث السياسي والانتقال خطوة صغيرة نحو منهجية المواطنة والتمثيل على توزيع الجنسيات وكأنها قابلة للرد والطي أو تشبه مفاتيح الجنة التي كان يحملها في دول مجاورة أثناء الحرب بعض السذج والبسطاء.
لا أمل لنا في مستقبل سياسي تمثيلي منصف أو تنمية اقتصادية محلية كأردنيين ما دمنا نسمح بين الحين والآخر بقبول فكرة أن يؤذي أحد منا مسامعنا بالعزف على أوتار سحب الجنسية.
ولا أمل طبعا في وحدة وطنية حقيقية وصلابة في الجبهة الداخلية عندما نراقب الحكومة وممثليها صامتين بشكل غريب على من يدعو لسحب جنسية مواطن أردني وبصرف النظر عن السبب بقرار إداري أو سياسي وخارج نطاق أحكام القانون وسلطة القضاء التي رسمت بالتفصيل مسوغات تنازل المواطن الأردني عن جنسيته أو سحبها في حال ارتكاب جرم الخيانة العظمى. فما بالكم في المقابل عندما يدعو البعض لسحب جنسية أردنيين يفترض أنهم يحملونها تهمتهم الأساسية شرف المقاومة العظمى.
ما يثير القلق على دعوة سحب الجنسية من رموز المقاومة إن كان بينهم فعلا أردنيون أصلا هو الصمت الرسمي المخجل على هذه الدعوات والافتراءات لا بل المسرحيات
ما يثير القلق على دعوة سحب الجنسية من رموز المقاومة إن كان بينهم فعلا أردنيون أصلا هو الصمت الرسمي المخجل على هذه الدعوات والافتراءات لا بل المسرحيات. وما يثير القلق أكثر هو تلك الرسالة التي توجه لأكثر من نصف الشعب الأردني جراء تلك الدعوات المشبوهة لسحب الجنسية.
يخالجني سؤال بالمناسبة: من يقترح اليوم فجأة سحب الجنسية من أردنيين يحملونها هل يتحدث باسم جهة ما في مراكز القرار الرسمي؟ هل بين المسؤولين حقا جناح يقترح بأنه يستطيع العبث بملف المواطنة بكل تلك البساطة مدعيا أنه يحافظ على مصالح المملكة فيما ينخر بسبب دعوته المشبوهة في عظام تلك المصالح خلف الستائر؟
الجنسية يجب أن لا تمنح أيضا لمن لا يستحقها بموجب القانون والدستور. والرقم الوطني يتوجب أن لا يسحب لأي سبب إداري أو أمني أو سياسي وبصرف النظر عن أي تبرير.
في المقابل من يحمل جنسية الأردن ويتشرف بها إذا ما خالف القانون في أي لحظة يمكن أن يحاكم باعتباره أردنيا لا بل يمكن أن يعدم أيضا، وهو يحمل جنسيته إذا كنا نتكلم عن دولة تتجه نحو المواطنة وتحكم العلاقة بين المواطن والسلطة فيها نصوص القوانين.
لا أعرف سببا ينطوي على رشد وحكمة وراء المقترحات العلنية المثيرة للارتياب بسحب الجنسية من رموز وقادة في المقاومة الفلسطينية حتى وإن أخطأ بعض هؤلاء بتصريح منقول أو معقول.
لا يمكن تبرير مثل هذه المقترحات المريضة لأن الدولة وبموجب القانون لديها كل صلاحية مساءلة رعاياها وبأي وقت ولأن الناس من حقهم كمواطنين أن يناقشوا وتتم مساءلتهم فقط في ضوء القانون.
فوق ذلك وبكل صراحة: ما هي القيمة المضافة التي تتحول إلى مكسب عميق للدولة الأردنية إذا ما سحبت الجنسية من أحد قادة المقاومة وبقيت في أحضان عدد كبير من قادة السلطة الفلسطينية؟
بحثت بإلحاح عن مكسب أو قيمة مضافة ولم أجد إلا تلك الرسائل الموجعة التي تخفف من وزن الجنسية الأردنية وتخدش كل المقدسات والثوابت بين الحين والآخر والأكثر خطورة بدون مبرر حقيقي.
بدلا من رفع لافتة فيتو تدعو لسحب الجنسية الأردنية، سواء في فصائل المقاومة أو في غيرها يمكن للحكومة أن تبادر بإصدار كشف بأسماء من يحملون الجنسية الأردنية في كل المؤسسات والفصائل الفلسطينية على أن يتم التوافق على معالجة قانونية تضمن للمجاهد أو المقاتل أو المقاوم من بين هؤلاء وهم الأقل طبعا أن لا يترك في الهواء وبدون جواز سفر أو جنسية بمعنى أن لا يعاقب على وطنيته في الدفاع عن فلسطين.
ذلك العقاب غير لائق بالدولة الأردنية ومخاطره كثيرة حتى إن كانت مكاسبه إرضاء أمريكا أو الغرب أو حتى الإسرائيليين.