الأردن: «شبهة دستورية» ورسالة للمعلمين و«لغيرهم»… ثلاث كلمات للرزاز وبـ«عزف منفرد» تلهب قلق الاقتصاد
الحلايقة لـ «القدس العربي»: بادرة خطيرة وقرار غير موفق ويصب الزيت على نار «النمو»
رفض رئيس الوزراء الأردني، ولليوم الثالث على التوالي، تقديم شروحات أو توضيحات للرأي العام وللشارع، أو حتى لبقية الشركاء في إدارة الدولة، بما في ذلك أعضاء في مجلس الوزراء، حول قراره المفاجئ والمنفرد، إعلان تجميد ووقف جميع مشاريع الإنفاق الرأسمالي. تلك عبارة من ثلاث كلمات فقط، لكن تأثيرها في الواقع الاقتصادي قوي جداً.
ليس لأن وقف الإنفاق على المشاريع الرأسمالية يعني بأن بعض مشاريع الخدمات في البنية التحتية التي تقدمها الدولة للناس ستتوقف.
ولكن لأن الرئيس الدكتور عمر الرزاز أيضاً يقول، بلغة ملطفة وبصيغة مفاجئة، بعدم وجود مخصصات مالية للإنفاق على تلك المشاريع، حيث إن هذا النمط من المشاريع التي أوقفت يؤشر إلى بنية الخدمات التحتية للمجتمع.
بعد عبور القرار المكتوب للرزاز ليومه الثالث، وفي ظل المناخ الذي أنتجته أزمة علاوة المعلمين في أوصال المجتمع والدولة أيضاً، يعلن ضمنياً رئيس الحكومة عدم وجود مخصصات مالية لإكمال مشاريع رأسمالية مقررة أصلاً ومكتوبة في الموازنة. ذلك حدث لا يمكن إسقاطه من تحليل الأزمة وتشخيصها.
وهو حدث ينطوي على رسائل عدة؛ الأولى قد تكون تلك التي تقول لنقابة المعلمين بأن أملها في العلاوة مستحيل بدلالة أن الحكومة والخزينة في وضع مالي صعب جداً، وبدلالة أن الخزينة أوقفت الإنفاق على المشاريع الرأسمالية، وبالنتيجة لا يوجد بالتأكيد مخصصات لرفع رواتب المعلمين. وكان القرار على شكل رسالة داخلية من رئيس الوزراء بصيغة تعميم داخلي.
لكن صحيفة «عمون» الإلكترونية التقطته ونشرته، وموقف الحكومة هنا فجر في الأفق عشرات الأسئلة وسط انطباع حتى داخل بعض مؤسسات الدولة وبين بعض الوزراء بأن الرزاز هنا عزف، لسبب غامض، لحناً منفرداً وفي توقيت حساس.
هذا العزف أرهق حتى خبراء الملف الاقتصادي، حيث استغرب وأمام «القدس العربي» نائب رئيس الوزراء الأسبق المخضرم الدكتور محمد الحلايقة عن خلفيات ومسوغات قرار من هذا النوع له علاقة بمشاريع قررتها الحكومة ووردت في مشروع الميزانية القانوني وصوت عليها البرلمان.
الحلايقة، مثل غيره من طبقة رجال الدولة، يستفسر عن المسوغات والخلفيات، ويطرح شكوكاً حول احتمالية وجود شبهة دستورية، لأن قرار الرزاز هنا يعطل قانوناً اسمه قانون الموازنة، وقد صوت عليه البرلمان، مشيراً إلى أن خبراء الدستور هم أصحاب الفتوى هنا، ولأن قانون الموازنة فيه نفقات رأسمالية وإيرادات بمعـنى منظومـة مالية قررتـها الحـكومة أصـلاً.
يصف الحلايقة، بعبارة صريحة، القرار بأنه غير موفق وبادرة خطيرة لم تفعلها أي حكومة سابقة، وتساهم من زاوية الانطباع السلبي عن الخزينة وعن الاستثمار في «صب الزيت على النار»، لأن بين يدي الحكومات بالعادة خيار اسمه ملحق الموازنة، ولأن مثل هذا القرار تنتج عنه تعقيدات وأسئلة كثيرة.
الأهم والأكثر خطورة، برأي الحلايقة، أن النمو الاقتصادي أصلاً مترد، وما يعرفه الجميع أن النفقات الرأسمالية هي التي تحرك العجلة الاقتصادية وتؤسس للنمو الاقتصادي، بمعنى أن الحكومة تضرب الجميع بمفاجأة. والانطباع حتى في أروقة القرار العميق يتحدث مبكراً عن أجندة سياسية وراء قرار الرزاز في هذا المسار، لكنها غامضة وغير مفهومة بعد.
يعرف الرزاز، ونائبه المحنك اقتصادياً الدكتور رجائي المعشر، أن الإعلان فجأة عن وقف مشاريع رأسمالية وبالنتيجة عن وجود أزمة مالية خانقة في الخزينة.. سياسي بامتياز ولا يساعد مشروع النهضة الوطني، وينطوي على رسائل مقلقة للجمهور وغامضة في نطاق صراعات وتجاذبات النخبة والطبقة السياسية.
ويعرف الثنائي، المعشر والرزاز، أن ذلك الإعلان يمس عملياً مخالفة واضحة للقانون الذي أقره البرلمان باسم ميزانية الدولة، وأن تلك المخالفة بطبيعة الحال تمهد لما وصفه، وأمام «القدس العربي» أيضاً، رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب الدكتور خير أبو صعليك، بأحد أسوأ وأصعب وأعقد مشاريع الميزانية. وثمة ما يوحي ضمنياً بأن للمسألة علاقة ما بتوجيه ملكي علني للوزراء يقضي بإعداد مشاريعهم حتى نهاية العام. بمعنى أن الحكومة، وبخطوة متذاكية، تتحدث عن الواقع الموضوعي وتعتذر ضمنياً عن إكمال بعض المشاريع الموجودة على الخارطة والمقررة في جملة من الصعب تصديق الرواية التي تتحدث عن مضمون مناكف فيها، بقدر ما يمكنها أن تكون على صلة برئيس وزراء واضح وشفاف وصادق يريد أن يقول لكل الأطراف حقائق الوضع.
في المقابل، ثمة انطباع موازٍ بأن مثل هذا الإعلان الجريء قد سبق تكتيكاً له علاقة بمفاوضات دولية، ويجازف برسالة مقلقة للقطاعات الاقتصادية والاستثمارية انطلاقاً من سعي الرزاز لتغيير أو تعديل في طاقمه الاقتصادي ينسجم مع رؤيته لطبيعة الأزمة المالية والاقتصادية ولمسار الخطوات اللاحقة، بعدما أقرت حكومته علناً وبكل اللهجات بأن سياسة التصعيد الضريبي التي طالب بها البنك الدولي أخفقت ونتج عنها تقلص واردات الخزينة بعدما قرر الأردنيون على مستوى الشركات وحتى الأفراد عدم إنفاق أموالهم.
الأهم أن الحكومة في الحيثيات ظهرت غير منسجمة، أو في حالة غيبوبة وانفلات. فقد كان الرأي العام منشغلاً للتو بما قاله وزير العمل نضال البطاينة، حول أن بلاده ليست دولة ريعية بل دولة إنتاج، في الوقت الذي يتخذ فيه رئيسه الرزاز قراراً صعباً لا يوحي بالتخلص فقط من الريعية، بل في الإخفاق في إدارة موارد الدولة وفي تجميد مشاريع لا يمكن وصفها بأنها ريعية بكل حال.