اراء و مقالات

كيف ولماذا «يأمر» العاهل الأردني بـ«العين الحمرا» ضد «مال المخدرات»؟

العلاقة مع بشار الأسد «ليست كما كانت»

عمان – «القدس العربي» : يبدو أن أوامر «تحمير العيون» العلنية التي صدرت عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لقوات حرس الحدود، مساء الثلاثاء، وبعد زيارة تفقدية لمنطقة الواجب الشرقية المحاذية للحدود السورية، يمكن أن تقرأ أيضاً سياسياً وفي إطار الحراك الأردني النشط تحت عنوان الحفاظ على الحدود. وأيضاً تحت عنوان الغرق أو المزيد من الغرق في الوحل والمستنقع السوري، وفي الوقت نفسه الحرص على سلامة وتأمين الحدود وتوفير الأرضية لوجستياً وأمنياً لأي دور أردني لاحق في أي ترتيبات إقليمية أو دولية.

العلاقة مع بشار الأسد «ليست كما كانت»

يرى الخبراء العسكريون في تلك الزيارة جزءاً من دعم حرس الحدود وتمكين قوات حرس الحدود من تحصيل روح معنوية عالية، بعد أوامر سابقة علنية أيضاً لرئيس الأركان الجنرال يوسف الحنيطي، قضت بتغيير قواعد الاشتباك؛ بمعنى متابعة ورصد محاولات التسلل المسلحة التي نشطت بصورة غير مسبوقة على الواجهة الشمالية في الحدود مع سوريا، والاشتباك معها، بناء على توجيهات ملكية ومرجعية بكل الأحوال.
الملك الأردني زار منطقة الحدود والتقى عناصر وضباطاً ومقاتلي قوات حرس الحدود بحضور نخبة من كبار جنرالات الجـيش العربي.
وبدا واضحاً أن الملك يرفع الروح المعنوية لجنوده، وخاطبهم قائلاً بأنه يريد منهم «العين الحمراء».
وهذه صيغة تستخدم ملكياً لأول مرة في سياق علني، خصوصاً أن القوات المسلحة وجهاز الإعلام فيها كشفا النقاب عن اتصال باللاسلكي أيضاً بين الملك وقوات حرس الحدود، وبلغة ولهجة عسكرية تتحدث عن الحرص على الواجبات وتوفير القصر الملكي لكل الدعم لتلك القوات التي تشتبك.

زيارة ملكية

ليس سراً أن الزيارة الملكية تعني الكثير للقوات التي تسهر على الحدود مع الأردن، خصوصاً أن رئاسة الأركان كانت قد تحدثت خلال الشهر الماضي عن خمس عمليات أو محاولات تسلل تم التصدي لها وإفشالها ميدانياً.
الحديث الرسمي والمهني والفني عسكرياً، تبع أو أعقب كثافة في محاولات التسلل الجماعية المسلحة لاختراق الحدود الأردنية، وتقريباً من منطقه جغرافية محددة سلفاً ومعروفة. ويعتقد بأن الهدف الأساسي هو نقل أو تجارة المخدرات والمهربات بكميات كبيرة، مما ينتج الانطباع بأن مصالح «مالية» مباشرة قد ترتبط ببعض المجموعات السورية المسلحة هي التي تقف وراء محاولات التسلل التي قرر الجيش الأردني التصدي لها بحزم وتطلبت تكتيكياً عملياتياً، الشهر الماضي، والإعلان عن توجيهات بقواعد اشتباك جديدة.
وهي عبارة بالعرف العسكري، تؤشر على دلالة ميدانية وفنية أكثر من أي دلالة سياسية، ومعناها أن المطلوب نوع أو صنف من العمل الاستخباري والوقائي المسبق، وتأسيس هامش في المنطقة المحرمة دولياً على الحدود مع سوريا لملاحقة محاولات الاختراق والتسلل المسلحة، وغالبها عبر آليات لعدة أمتار أو لمسافة داخل المنطقة المحرمة على الحدود.
هذا الوضع لا تتحدث عنه الحكومة الأردنية سياسياً. لكن، في القراءة الوطنية والمحلية للأحداث، ثمة تطورات تطلبت تصعيداً عسكرياً لإثبات قدرة حرس الحدود على التصدي لأي حالة تسلل بصرف النظر عن الأسباب.
وترددت تقارير عن أن الأردن أبلغ النظام السوري مسبقاً بأنه سيتعامل مع أي شخص يقترب من الحدود بصورة غير قانونية باعتباره متسللاً، وسيتم تطبيق قواعد الاشتباك الجديدة معه بهدف المنع.
وأحياناً، بهدف القتل، وقد سقط شهيدان للأردن في المواجهات مع عصابات التهريب، كما جرح عدة جنود، فيما تحدثت بيانات عسكرية عدة مرات على الأقل عن سقوط قتلى من المتسللين غير الشرعيين، الذين تصفهم البيانات الرسمية بأنهم يحملون كميات من العتاد والأسلحة الرشاشة، إضافة إلى كميات من المخدرات.
ويبدو أن مناطق التماس الحدودية الوعرة قليلاً تخضع لتمشيط عملي ميداني من قوات حرس الحدود الأردنية، خصوصاً بعدما تبين – حسب مصادر مستقلة لم تكشف عن هويتها- بأن بعض المجموعات المسلحة المنظمة على نقاط التماس تحاول تخزين المخدرات والمهربات، وهي نقطة تعني بأن الجانب الآخر في الجيش النظامي السوري لا يقوم بالواجب كما ينبغي.
وعليه، يفترض المراقبون والمحللون بأن الفرصة مواتية الآن لإعادة قراءة وتقييم المشهد على الحدود السورية الأردنية، ليس من الجانب العسكري والأمني، فذلك يتكفل به الجيش العربي الأردني، لكن من الجانب السياسي أيضاً، حيث إن تعدد محاولات التسلل وعدم الإعلان عن تفاهمات أو بروتوكولات حدودية أمنية جديدة مع الجانب السوري مؤشر خلفي وضمني على تردي أو تراجع الاتصالات التنسيقية بين الجانبين.

إعادة تموقع

وهو مؤشر يرى فيه بعض المتابعين أيضاً دلالة أو قرينة على أن العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد والنظام السوري لم تعد كما كانت قبل عدة أشهر، والسبب على الأرجح سلسلة من التدخلات الأمريكية والضغوط التي حالت عملياً دون انفتاح كبير في العلاقات بين عمان ودمشق. لكن الأهم هو تلك الرؤية التي تفترض بأن الأردن بصدد إعادة تموقع جيوسياسية على الحدود.
وهو أمر يصبح حمال أوجه إذا ما خضع للنظريات الدبلوماسية المعلبة، التي ترى بأن الأردن يضم، ديمغرافياً، مجموعة كبيرة تحت اسم وعنوان «المكون السوري»، وأن عمان قررت عدم الاستسلام للقاعدة السورية النظامية القديمة التي تقول بأن درعا والحدود مع الأردن مشكلة أردنية، بسبب تداعيات وبدايات مرحلة الربيع العربي. وتذهب بعض القراءات إلى تموضع عسكري تتطلبه أجندة سياسية، بالاتفاق طبعاً، مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والقوى الأساسية المؤثرة في المعادلة السورية.
وهو تموقع، وفقاً لهذا السيناريو، هدفه تأسيس منطقة عازلة صالحة للحفاظ على السيادة الأردنية في أي وقت لاحق، تقتضي الظروف فيه حصول أزمة يمكن أن تتصدر أو تحاول العبور مجدداً إلى الأردن حتى وإن كان برداء إنساني، أو حصول تطورات على صعيد ملف اللجوء السوري وإعادة توطين السوريين في أماكن داخل أراضيهم، وهي أماكن وصفها علناً رئيس الوزراء الأردني الحالي الدكتور بشر الخصاونة، بأنها يجب أن تكون مؤهلة تماماً، مشيراً إلى أن ضمير العالم ينبغي أن يتوقف عن التحدث فقط عن عودة اللاجئ السوري، بل على الجميع التفكير في عودته إلى أين، وكيف، وعلى أي أساس، وماذا سيحصل معه بعد العودة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى