الأردن في الصدارة بتقديم المساعدات والاشتباك الدبلوماسي في سياق تعزيز صمود المواطن في أرضه بكل الإمكانات
عمان – «القدس العربي»: تدل الحيثيات الكمية والرقمية على أن المساعدات الأردنية لقطاع غزة جلست في المراتب الأولى وبمعدل يزيد حتى مساء الخميس على 45 طناً من المواد الإغاثية من مختلف الأصناف، فيما مخازن الهيئة الهاشمية للإغاثة لا تزال تستقبل المساعدات وترسلها برحلات جوية زاد عددها على 15 طائرة ورحلة.
يعني ذلك شيئاً محدداً في المجال الحيوي لاستراتيجية الأردن التي أعلنها في وقت مبكر العاهل الملك عبد الله الثاني في إطار الاشتباك مع سيناريو التهجير تحت عنوان سيادي وفي مقر القوات المسلحة، وفي سياق “تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في أرضه بكل الإمكانات”. لذلك، استضاف الأردن الخميس القمة الأممية المعنية بإغاثة أهالي قطاع غزة.
ورغم أن الظرف الاقتصادي الأردني في حال يعرفها الجميع، فإن الأردن حرص على تقديم كل ما يمكن لتغطية الاحتياجات الإنسانية في غزة وحتى في الضفة الغربية. وعلى جبهة موازية، يواصل الأردن الرسمي اشتباكه المباشر والصريح في القنوات الدولية مع الرواية والسردية الإسرائيلية التي يندد بها بخشونة اعتراضية وزير الخارجية أيمن الصفدي، وفي كل المحافل، من اتهام إسرائيل المباشر بأنها ترتكب جرائم حرب، إلى مقولة “لا يمكن القضاء على حركة حماس”، مروراً بسيناريو “مجلس الأمن لا يقوى على مواجهة السلوك الإسرائيلي”.
معنى الخلاصات السياسية أن المؤسسة الأردنية تبذل جهداً كبيراً وملحوظاً لا يمكن إنكاره، كما يرى الناشط السياسي والحزبي البارز محمد حجوج، في المجالين الدبلوماسي والإنساني، وفي مواجهة الحسابات الإسرائيلية التي يقدر الحجوج – وهو يتحدث إلى “القدس العربي”- بأنها بدأت تشكل خطراً على العالم والمنطقة وليس على الأردن فقط.
يتنبه الحجوج مع غيره من المراقبين السياسيين إلى أن المقاربة الأردنية عموماً ترتقي في الاستجابة لمستوى الحدث؛ لأن كل الاشتباك الدبلوماسي الأردني والميداني إنسانياً، يتزامن مع قرارات البرلمان بمراجعة اتفاقيات موقعة سابقاً مع إسرائيل، على أن المقاربة نفسها يفترض أن تكتمل من حيث التأطير والتشبيك بما يحافظ ويحمي المصالح الأردنية. الأردن شعبياً، في المقدمة عندما يتعلق الأمر بالحراك المضاد للعدوان، بإقرار حتى أبرز قادة حركة حماس مثل الشيخ إسماعيل هنية، مع أن المقاومة الفلسطينية ومعها طيف واسع جداً في الشارع الأردني تتأمل تقارباً سياسياً يعكس فهم الأردن لمصالحه وانحيازاته ويؤطر علاقة سياسية لمواجهة المرحلة وتداعياتها.
بكل حال، يرى سياسيون متعددون أن الاشتباك الأردني قد يكون حقاً في مقدمة الصف العربي بسبب تركيز الأردن حتى في المساعدات على مفاصل حيوية مثل إنقاذ المنظومة الصحية وإعادة الاتصالات وبناء مستشفيات ميدانية. وعلى المستوى الدبلوماسي، تقف عمان بالمرصاد للسردية الإسرائيلية في كل المفاصل الدولية وجميع الاجتماعات، وتشارك بنشاط في اللجنة التي شكلتها القمة العربية الإسلامية للمتابعة.
لكن في المقابل، لا يزال الانطباع مكرساً بأن ثمة خطوة مهمة جداً ومنقوصة في الاستراتيجية الأردنية التي تهدف أصلاً للتضامن مع قطاع غزة وأهل الضفة الغربية، ولحماية حزمة الثوابت والمصالح الأردنية الأساسية، وهي تلك الخطوة المتعلقة باستضافة قادة المقاومة أو حتى حركة حماس في عمان، وبناء شبكة علاقات واتصالات مع المقاومة التي تواصلت معها عمان لأسباب لوجستية عدة مرات مؤخراً.
مطلب إقامة علاقات طبيعية مع فصائل المقاومة ضمن المقاربة نفسها المتاحة لدول مثل مصر وقطر، من المطالب الملحة في الشارع الأردني وعلى مستوى أحزاب ونقابات مهنية، خصوصاً أن الولايات المتحدة نفسها تفاوض المقاومة بوضوح عبر وسيط ثالث. ويقترح القطب البرلماني خليل عطية، لـ”القدس العربي” ح المبادرة إلى تعديل وضع معوج أصلاً ومنقوص، قوامه تجميد الاتصالات الرسمية والعلنية مع ممثلي نصف الشارع الفلسطيني على الأقل.
عملياً، كان رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، قد اقترح علناً بأن “مصالح الأردن الاستراتيجية مرتبطة الآن بالفتية المقاتلين في قطاع غزة”، وحقق تصريح عبيدات هنا معدلات تداول وتذكير مرجعية بصورة غير مسبوقة، علماً أن حصة المقاومة وقادة حماس تحديداً في الشارع الأردني اليوم هي الأعلى والأكبر منذ سنوات طويلة.
ورغم تسارع الأحداث وتقدم وزير الخارجية الصفدي مرات عدة بتصريحات تحمي حركة حماس وترفض شيطنتها، ورغم تعاظم التحديات وانقلاب اليمين الإسرائيلي على الأردن وتهديد مصالحه، فإن خطوة مثل فتح مكتب تنسيقي لحركة حماس أو استقبال قادة المقاومة لم تتخذ بعد.
ثمة محددات توحي بأن مرد التأخير أو عدم اتخاذ خطوة من هذا النوع قد يرتبط بتركيبة المصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة. لكن قياساً بزلازل طوفان الأقصى الكثيرة في الإقليم وحتى في الداخل الأردني وتداعياته، يمكن القول إن هذه الذريعة لم تعد تصلح حتى لاستهلاك النشطاء في عمان.