الأردن في «المياه والغاز» أبعد قدر المستطاع عن إسرائيل
ردا على استفزازات الطاقم اليميني المتشدد في حكومة نتنياهو
عمان ـ «القدس العربي»: يشكل النشاط الذي تظهره متابعات رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، حالة من الاستجابة لوقائع تجاهل التسريبات والتكهنات لصالح التركيز على العمل.
حسم الملفات الأساسية
الرئيس الخصاونة هنا تحديداً اجتهد في حسم بعض الملفات الأساسية العالقة إدارياً وتابع اتخاذ قرارات مباشرة في ملفين أساسيين أو مشروعين جديدين يظهران ديناميكية في المتابعة. المشروع الأول حسم القرار فيه عبر لجنة شراء وزارية مختصة تعاملت مع ما يسمى بيروقراطياً بالمناقصة الأفضل في خطوة كانت طوال الوقت منتظرة ومعلقة لمشروع الناقل الوطني، وهو أحد أضخم المشاريع الوطنية في مجال الأمن المائي.
ولاحظ المتابعون هنا حصراً بأن الشروط الفنية انسجمت مع عرض مناقصة لشركة كبيرة، فيما تم توفير غطاء للتمويل يُظهر -كما قال الخصاونة علناً- استمرار ثقة المستثمرين الكبار في الغطاء المالي بالاستثمار والاقتصاد في الأردن.
والانطباع في عمان يتراكم بأن مشروع الناقل الوطني قد يشكل محطة في رد إداري وسياسي واستثماري على استفزازات مرصودة في ملف المياه قام بها مؤخراً الطاقم اليميني المتشدد في حكومة إسرائيل، سواء بالتلاعب في ضخ كميات المياه المتفق عليها سابقاً أو في إعلان قرار قبل أسابيع بعدم تجديد اتفاقية خاصة بتأمين كميات مياه. وفيما يبدو، قررت الحكومة توجيه رسالة عبر المضي قدماً بالمشروع الوطني، بمعنى الإيحاء علناً بأن التحرك البيروقراطي وارد في سياق سياسي يعزز إمكانية تجنب أي خضوع لإرادة اليمين الإسرائيلي المتشدد في ملفات حيوية، مثل حصص المياه.
ردا على استفزازات الطاقم اليميني المتشدد في حكومة نتنياهو
ذلك التفسير في المطبخ الدبلوماسي في الخارجية الأردنية بقي أساساً لتحريك مقصود يوفر مظلة تحمي استقلالية القرار السياسي، لأن الأردن ـ في رأي وزير الخارجية أيمن الصفدي كما سمعته «القدس العربي» مؤخراً ـ في الجهة المقابلة تماماً وبكل الأروقة الدولية أخلاقياً ومؤسساتياً ضد الجرائم التي ترتكبها حكومة المتطرفين في تل أبيب ضد الشعب الفلسطيني.
لذلك، فإن تفعيل خطوات قانونية وإدارية أساسية في ملف الناقل الوطني والآن تحديداً، قد لا يقف أثرها إذا ما اكتمل المشروع فعلاً، عند حدود توفير هوامش بيروقراطية أمام القرار السياسي، بل قد يساهم في نزع ذخيرة المزاودة على الحكومة في مسائل مثل الأمن المائي.
«غاز العدو احتلال»
الأهم قبل ذلك قد يكون الرد العلني لوزير الطاقة صالح الخرابشة على كل المقولات التي تتردد في الشارع تحت عنوان تسليم الكيان الإسرائيلي مفاتيح أمن الطاقة في الأردن من خلال اتفاقية الغاز الشهيرة التي نظمت اعتصامات ضدها في الشارع الشعبي بعنوان «غاز العدو احتلال».
الوزير الخرابشة وبتلميح بيروقراطي، التزم باسم الحكومة، ولكن بحذر شديد وعلناً بأن كل معايير تأمين التيار الكهربائي في البلاد مبرمجة وأصبحت ضمن بروتوكول آمن ولن تتأثر بانقطاع واردات الغاز.
يعرف الأردنيون أن الكهرباء الأردنية تعتمد في جزء منها على الأقل على واردات الغاز الإسرائيلية التي قطعت نحو نصفها بعد أحداث 7 أكتوبر.
لكن الحكومة اجتهدت في توفير البديل، ومكانة الأردن الدولية تسمح له بالبحث عن البدائل بكل حال، فيما يقصد وزير الطاقة عملياً لفت نظر الأردنيين بتصريحه بالخصوص إلى أن بروتوكولات خصصت ووضعت لضمان ضخ الطاقة للشعب الأردني كهربائياً، بصرف النظر عن تلويح اليمين الإسرائيلي أيضاً بقطع إمدادات الغاز، وبصرف النظر بالنتيجة عن اتفاقية الغاز نفسها.
صحيح أن التفاصيل لا تزال غامضة، لكن الوزير الخرابشة وجه بدوره تلك الرسالة في مسألة أمن الطاقة على قياس الرسالة التي يوجهها مشروع الناقل الوطني بعد مصادقة الخصاونة على حيثياته الوطنية القانونية الأولى تحت عنوان أمن المياه أيضاً.
ما يبدو عليه المشهد الأردني الآن حكومياً وبيروقراطياً هو العمل نحو شعار يحاول إبلاغ الشارع بأن أمن المياه والطاقة في الطريق نحو الثبات بعيداً عن تقلبات اليمين الإسرائيلي ضمن صيغة «قدر الإمكان» وبعيداً عن ما يمكن أن يحصل في المنطقة، فيما كان وزير المالية الدكتور محمد العسعس يضفي في جلسة نقاش حضرتها «القدس العربي» إطاراً علمياً وفنياً على قدرات بلاده في الاحتواء والمرونة عند توفر إمكانية التعامل مع تداعيات أي أحداث إقليمية أو أزمات جديدة.
يخدم ذلك في كل حال، حسابات الحكومة ورئيسها عشية انتخابات 10 أيلول المقبلة.